Friday, December 11, 2015

الجانب الآخر من المرآة !

إيهاب الشيمي
 
يقتلني في كل لحظة المجهود الخارق الذي أبذله لكي أخفي ذلك الإحساس العميق بأن كل ما فعلته و أفعله يذهب أدراج الرياح !
 
ترهقني تلك المقاومة الرهيبة لرغبتي المتزايدة يوماً بعد الآخر في الإنفصال عن كل ما حولي و التقوقع حول نفسي التي غير ملامحها في السنوات الأخيرة الكثير من مشاعر الألم، و الأمل، و المهانة، و الثورة، و الصدمة، و الغضب.
 
يؤلمني ذلك الشعور المقيت الذي ينتابني و أنا أرى الجميع يتحركون على الجانب الآخر من المرآه بينما أتشبث أنا بالأمل أن يلحظ أحدهم وجودي على هذا الجانب، أو أن يعبر صراخي ذلك السطح الأملس البارد للمرآة ليخترق مسامعهم و يسرعوا بمد أيديهم لإنقاذي قبل أن أسقط في هوة يأسي أن يروا شيئاً غير انفسهم و قناعاتهم و رؤيتهم الخاصة لمستقبل الوطن.
 
نعم، يمكنني أن أراهم يبتسمون على الجانب الآخر .. ها هم يتسامرون على ذلك الشاطئ الرملي الذي حالما وصلوا إليه و توهموا أنه يمنحهم الأمان، بينما لا يلحظ أحد منهم ذلك الجدار المائي الضخم الذي يتحرك نحوهم من جديد تحت جنح الظلام ليجتاح في طريقه كل شيئ و ليحطم كل ما يصطدم به .. حتى جدار المرآة الزجاجي السميك الذي يفصل بيني و بينهم، و الذي ميز الفشل كل محاولاتي لتسلقه ، و كل مجهوداتي لمجرد شرخه.
 
رفيقي الوحيد على هذا الجانب هو ذلك الصوت الكريه الخافت الذي يمر عبر رأسي كل آونة و أخرى هامساً لي أنهم لا يستحقون كل ذلك العناء، و كل ذلك الذي أكنه لهم من حب، و كل ما اختلقت لهم من أعذار تبرر غفلتهم عن كل تلك الأخطار المحدقة بهم، و كل تلك الأحلام التي طالما تمنيت أن تتحقق لهم و لأبنائهم، فهم أول من كفر بكل ما أؤمن به من قيم الديمقراطية، و رفض الإقصاء، و قبول الآخر بالرغم من التقاء كلاهما على طريق حب الوطن ..
 
ها هو ذلك الصوت الكريه يتمتم داخل رأسي مجدداً أنهم من حولوا أنفسهم إلى مجرد عرائس خشبية يمسك بخيوطها مسوخ تتبع غرائزها المادية وتتحرك تبعا لمصالح نخب سياسية فاسدة، أو مكاسب فئة ليس لها من سبيل لتحقيقها إلا نفاق الحاكم و تخوين منتقديه..
 
ها هو الصوت يردد أنهم هم من حولوا أنفسهم إلى شخوص ثانوية في عرض مسرحي يؤدون فيه أدواراً كتب نصوصها من لا يريدون إلا ضرب وحدتنا و بث روح الفرقة و نشر دعاوى العمالة ضد كل من يحاول تنقيح النص، حتى لو صب ذلك التنقيح في النهاية لمصلحة العرض و زيادة متعة و فائدة كل من يتابعونه !
 
عفواً، أظن أنني أخطات،  فذلك الصوت ليس هو رفيقي الوحيد هنا، فيبدو أن من تعودت رفقته أيضاً هو غضبي من عدم قدرة من وثقت أن لديهم البصيرة النافذة و الرؤية الثاقبة، ممن ظننت أنهم معي على نفس الجانب من المرآة، أن يدركوا أن ما  يدفعني لبذل المزيد من الجهد للتشبث بتلك الحافة الضيقة، التي تفصل بين جدار المرآة و بين هوة اليأس السحيقة، ليس انتمائي لأيديولوجيات جامدة اعتنقوها، و ليس إيماني بسبل لم يجدوا لها من بديل للتغيير، و ليس ولائي لتنظيمات أسسوها ليملأ صخبها جنبات المشهد الوطني .. بل إن ما يجعل أطراف أصابعي أكثر إصراراً على عدم ترك تلك الحافة، و حمل جسدي المثقل بكل همومه و إحباطاته، هو ذلك الإيمان الراسخ الذي لم يفارقني لحظة واحدة أن الوطن يمكنه أن يتسع لتمتد ربوعه على جانبي المرآة.
 
نعم، أعلم أن من يقفون على الجانب الآخر هم من سمحوا للكراهية أن تتسلل إلى قلوبهم تجاهي حين قررت مواجهة  الفساد و القمع و الأحادية و الإقصاء بالرغم من علمي بحتمية اقتران تلك المواجهة بالكثير من الفوضى و التضحيات و الدماء..
 
و لكني أعلم أيضاً أنهم إخوتي الذين شاركوني عشق كل حبة تراب من أرض هذا الوطن و اقتسموا معي كل لحظات الخوف من الحاضر، و القلق من المستقبل، و الغضب من العمالة و التكفير و تجارة الدين، و الألم لإراقة الدماء الزكية، و الفرح حين النصر، والنشوة بإمكانية تحقيق المستحيل، و أنهم يستحقون فرصة أخرى ليثبتوا فيها أنه يمكنهم التخلص من كل تلك الخيوط التي تتحكم بهم، ومن كل سطور ذلك النص العقيم الأصم الذي ظلوا يعيدونه في استسلام و رتابة لأكثر من ثلاثة عقود، ليسمحوا لأنفسهم بإبداع نص جديد يسمح بتقبل النقد البناء، و وجود معارضة وطنية، و قبول رؤية أخرى للمستقبل قد تكون أفضل من تلك التي تطرحها السلطة الحاكمة .. نص تعبر سطوره و كلماته عن طموحاتهم و آمالهم و حقهم في وطن يفخرون به، و مستقبل يرضونه لأبنائهم.
 
ما أخشاه هو أني قد لا أجد الفرصة لمشاركة أحد من الجانب الآخر لتلك الأفكار، فكل ما اختزنته من طاقة للبقاء متعلقاً بتلك الحافة قد بدء في النفاذ، و لن أستطيع على الأرجح التشبث لأكثر من ذلك بذلك الإفريز الضيق، لأسقط في النهاية في قلب تلك الهوة السحيقة بينما بصري متعلق بالسماء الملبدة بالغيوم من فوقي باحثاً عن ذلك الضوء الذي طالما أردته أن يخرج من بينها ليلفت انتباه الجميع للخطر و ليمكن لخيوط شعاعه أن تلتقط جسدي المتهاوي بسرعة قبل لحظة ارتطامه بقاع الهوة ... الذي أشك انه موجود من الأساس !

Thursday, December 3, 2015

شيخ القرية

 إيهاب الشيمي



كعادتي كل صباح، ايقظت حواسي وقع أقدام قرص الشمس و هو يسرع الخطى لكي ينزع شعاعه رداء الظلمة عن تلك القرية الغناء كاشفاً بشرتها الخضراء المخملية الممتدة فوق جسد الوادي الأسمر الخصيب.
أكاد أقسم ان أناملي يمكنها أن تتحسس خيوطه الذهبية الدافئة التي تنطلق بسرعة متناهية لتخترق السطح الكروي الأملس لقطرات الندى البلورية التي ترقد في سكون فوق تلك الأوراق الخضراء لتتلألأ كالأحجار الكريمة.

لا أملك من روعة المشهد إلا أن أستجيب لتوسلات نفسي لكي تفارق ذلك الجسد المحدود للحظات لكي تحلق فوق ذلك البساط المخملي لترى من بعيد كيف تباعدت قسمات البشرة الخضراء في المنتصف لتفسح الطريق للملايين من قطرات الأمطار التي انسابت قادمة من الجنوب في هدوء مهيب ليروي نهرها ظمأ جسد الوادي المتعطش دائماً للمزيد منها ليتحدى بها محاولات الصحراء المستمرة للانقضاض عليه، و لكي يصبغ صفرة رمالها الحارقة بألوان أكثر بهجة و أقل حرارة و قسوة.

و بينما أنا غارق في الرومانسية اللامتناهية التي نشرتها تغريدات الطيور التي بدت و كأنها خرجت مثلي لاستقبال قرص الشمس بمواكبها التي تشق عنان السماء، تهادى إلى مسامعي أصوات حوار خافت قطع سكون المشهد المهيب.. نعم أستطيع تمييز مصدر الصوت .. إنه هناك في أقصى المشهد بالقرب من حافة القرية حيث تدور رحى معركتها الأبدية مع الصحراء..

في الطريق نحو مصدر الصوت، أستطيع مشاهدة العديد من “القصور” المتناثرة فوق البساط المخملي هنا و هناك بالقرب من مجرى النهر، تحيط بها مساحات منسقة شاسعة تعدو فيها خيولاً أصيلة تبدو مملوكة لأصحابها، بينما يمكنني بسهولة تمييز العديد من الأصوات السعيدة لمن هم بداخلها، بل و الاستماع إلى الجلبة التي يحدثها لهو أطفالهم من حولهم حتى كدت أنسى في غمرة انشغالي بمتابعة كل ذلك الترف أن هدفي هو تتبع مصدر ذلك الحوار الخافت، و الذي بدأ يصاحبه تدريجياً صوت أنين مكتوم يتسلل هو الآخر إلى مسامعي كلما اقتربت من وجهتي التي بدت أمامي هناك على مرمى البصر ..

ها أنا ذا وسط مجموعة من “البيوت” التي تكاد تظن للوهلة الولى أنها كتلة واحدة كبيرة من شدة التصاقها ببعضها البعض، و تناهي صغرها حتى تكاد توقن أن قاطنيها يمتلكون أجساداً أكثر نحولاً و أقل حجماً من اجساد أولئك الذين يقطنون تلك “القصور” العظيمة التي مررت بها تواً ..

ها هي مفردات الحوار تتضح شيئاً فشيئاً داخل أحد هذه “البيوت” .. ها أنا ذا اقترب أكثر لأجد أن من أخذت بزمام الحوار شابة نحيلة في العقد الثالث من العمر تمتلك جمالاً هادئاً تداريه كما هو واضح هموم كثيرة .. ها هي تتحدث فرحة عن نجاح مجهوداتها و زوجها وكل "أهل القرية" في زيادة جودة محصول هذا العام و ازدياد العائد منه، بل و عن إمكانية البدء في زراعة محاصيل لم يألفوا زراعتها من قبل في قريتهم، و لكن الحزن الشديد ينقض فجأة على نبراتها لتبث شجونها لتلك "المرأة العجوز" التي تكبرها بنحو أربعة عقود على الأقل لتحدثها عن عجزها و زوجها عن توفير ما يلزم أطفالهما من ملابس و اغطية قبل حلول الشتاء القادم !!

أصابتني بعض الحيرة من ذلك التناقض في حديثها، فكيف بها و زوجها أن يعجزا عما تقول، بينما كانت تصف منذ لحظات وجيزة ازدهار المحصول و زيادة العائد ؟! و لم تعط "المرأة العجوز" للدهشة التي انتابتني الفرصة لكي تستشري في عروقي أكثر من ذلك، فلقد التقطت طرف الحديث من جانبها لتقول لرفيقتها: و الله إني لأتالم لحالكم و حال كل "أهل القرية" يا بنيتي .. ثم زفرت زفرة طويلة كادت أنفاسها الساخنة أن تحرق وجهي لتكمل قائلة: في زماننا كانت "القرية" و ثرواتها ملكاً للجميع، أما اليوم فلقد منح "الكبير" ثقته إلى "الحداد" و رجاله الذين يسكنون "القصور" المتناثرة على حافة النهر ممن سيعينونه على زيادة موارده و استغلال كل بقعة في "القرية" كيفما يتراءى لهم، بينما ترككم و أولادكم تتسولون العمل لديهم ليلقوا لكم في النهاية بفتات ما يكسبون من بيع تلال الغلال و سبائك المعادن التي لم يحصلوا عليها إلا ببذلكم و أولادكم العرق و الدم من أجلها !

كانت كلمات "المرأة العجوز" كافية لأتبين الخطوط العريضة للحوار، و أتخلى و لو بقدر بسيط عن تلك الدهشة التي تملكتني من تناقض حقيقة ازدهار "القرية" و فشل تلك المرأة في الوقت ذاته في توفير احتياجات أبناءها، و لم أكد أنتهي من ربط خيوط الأمور ببعضها حتى انتفضت المرأة الشابة لتهرع إلى غرفة مجاورة ليعود صوت ذلك الأنين ليصطدم بأذني من جديد .. نعم، لقد أصبح أكثر قرباً من أي وقت مضى .. و أكثر وضوحاً .. و أكثر إيلاماً كذلك ..

لم أستطع إلا أن أتتبع خطواتها إلى داخل تلك الغرفة لأجد جسداً ضئيلاً منهكاً لطفل لم يتعد أعوامه الخمسة و قد استلقى على سرير لا تكاد أغطيته تستره، ناهيك عن أن تمنحه الدفء و السكينة !

اندفعت المرأة لتحتضن ذلك “الطفل” في لهفة و ألم و هي تحاول أن تبعث في نفسه الطمأنينة التي تفتقد هي لها.. ها هي تهمس في إذنه في رقة و عذوبة أن آلامه تلك لن تدوم و أن الغد سيجلب له حظاً أقل عثرة .. في التفاتة مفاجئة، نظرت إلى تلك الكومة من الملابس التي اتخذت مكانها على ارضية الغرفة الباردة، و ارتدت على عجل ذلك الثوب الوحيد اللائق للخروج به منها، و حملت طفلها متجهة للباب و هي تخبر العجوز، دون أن تلتفت إليها، أنها ذاهبة بطفلها إلى "شيخ القرية" عسى أن يقرأ له من "الرقيا الشرعية" ما يغنيها عن نفقات العلاج التي يطلبها "الحكيم" في مشفى "الكبير".

لا اشك أنكم تعلمون ما أنا فاعل الآن .. بالفعل اندفعت بشدة خلف الشابة التي خرجت تبحث عن غد أفضل لطفلها قبل أن تغلق الباب و تتركني حبيس ذكريات الماضي مع تلك العجوز. الطريق لا يشبه ذلك الذي مررت به فوق تلك "القصور"، فالدروب أكثر ضيقاً، و أصوات الضحكات أكثر خفوتاً، و الأطفال اقل لهواً،  لكني استطيع طوال الطريق تمييز رائحة الغضب التي تفوح من الأحاديث التي وجدت طريقها إلى أذني عبر نوافذ “البيوت” التي مررنا بها و نحن في طريقنا إلى " شيخ القرية "، فالكل غير راضٍ عما آلت إليه أحوالهم، و كيف استاثر رجال "الحداد" بكل ثروة "القرية" بينما لا يجدوا هم ما يسدوا به جوع اطفالهم أو ما يدفعونه لمداواة من يمرض منهم.

حين وصلنا إلى مقر " شيخ القرية " فاجئتني تلك المساحة الضخمة التي خصصها "أهل القرية" للصلاة بينما يحشرون اجسادهم في تلك "البيوت" الضيقة، و إن ظل المكان على اتساعه بسيطاً بل و متواضعاً مقارنة بحجم صندوق الصدقات الذي تصدر مدخل المكان !!   على الباب وقف ذلك "الشيخ" .. رجل يبلغ الثمانين من العمر، لا يلبس ما يميز الشيوخ من الجلابيب، بل يلبس مما يلبسه "اهل القرية"، و له لحية خفيفة .. بادرها بقوله: مرحباً يا بنيتي و اقبلي عذري عن خفوت الإضاءة لقلة عدد القناديل و نقص الزيت اللازم لها بسبب قلة الصدقات التي استقبلها الصندوق هذا العام، ثم استطرد حديثه داعياً إياها للدخول لرؤية ما يمكنه فعله للتخفيف عن "الطفل".

بدأ " شيخ القرية " تفحص “الطفل” عدة مرات متقمصاً دور الطبيب أكثر منه دور الداعية، ثم وضع كفه على صدر “الطفل” و أخذ يتمتم بكلمات لم أستطع تمييزها، و إن توقعت أن تكون آيات من الذكر، و بينما بدأ صوت أنين “الطفل” في الخفوت، علا في المقابل صوت جلبة يبدو أنها أخذت طريقها مقتربة في سرعة إلى حيث يقطن " شيخ القرية "، و على عكس ما بدا عليه من هدوء و طمانينة حين استقبل المرأة و طفلها،  بدأت أمارات التوتر تأخذ مكانها على صفحة وجهه، ثم أنهى في تسرع واضح ما يتلوه من آيات ليستوضح حقيقة ما يحدث بالخارج.

حين خرجنا، وجدنا "أهل القرية" و قد وقفوا بالباب متذمرين مما يحدث لهم و مطالبين الشيخ بمساندتهم ، و هنا صرخ " شيخ القرية" فيهم بصرامة مذكراً إياهم أن ما يفعلون هو خروج على سنة الله أن يكون الناس درجات بعضها فوق بعض، الغني و الفقير، و القوي و الضعيف، و الحاكم و الرعية، و أن "الكبير" و إن تخلى عنه الصواب في أشياء، إلا أنه مازال "ولي الأمر" الذي يجب له "السمع و الطاعة"، و يكفي أنه قد ضم " شيخ القرية " و بعض أولاده إلى قائمة "مجلس الصفوة" الذي يضم "الحداد" أيضاً لكي ينقل إلى "الكبير" صوت "أهل القرية" و مطالبهم، ,و أن عليهم أن يعودوا لمنازلهم و ينحوا غضبهم جانبا من أجل استقرار "القرية" ، فالله لا يرضيه أن يهلك الزرع و النسل، و "الكبير" مهما حدث فسيظل بمثابة الوالد للجميع!

و وسط أتون الجدل المحتدم، لم تجد المرأة الشابة بداً من مغادرة المكان عائدة إلى دارها قبل أن يداهمها الليل .. طرقت الباب لتفتح لها العجوز هامسة لها الا ترفع صوتها حتى لا يصحو زوجها الذي عاد لتوه منهكا من يوم عمل طويل، فتدخل هي الأخرى لتلقي بجسدها المنهك بجانب طفلها على ذلك السرير لتستغرق في سبات عميق، بينما استغرقت أنا في محاولة فهم لماذا لا أستطيع تقبل " شيخ القرية " بالرغم من ثقة "أهل القرية" الواضحة به ؟!

مع بزوغ "الفجر"، ينتفض كل من في البيت على ذلك الصوت الهادر لوقع آلاف الأقدام التي تنهب الأرض في خطىً مسرعة حاملة "أهل القرية" إلى حيث بيت "الكبير" لإجباره على الانصياع لمطالبهم، و الاستماع لصوتهم، و منحهم القدر العادل من ثروة "القرية" التي يستحقونها لقاء ما يبذلونه من جهد و عرق .. و بينما خرجت لأتتبع خطاهم، استوقفني ذلك التناقض الغريب الذي لم أستطع فهم فحواه، فلقد وقف " شيخ القرية " ليعلن بأعلى صوته أمام الجميع أنه على موقفه من أنه لن ينضم إلى "أهل القرية" في التوجه لبيت "الكبير"، بينما استطعت أن الحظه و هو ينحنى ليقول بصوت خافت لبعض أتباعه أنه لن يمنع من يريد الانضمام منهم إلى "أهل القرية"، على ان يتحمل كل منهم عاقبة أمره !

في صباح اليوم التالي، كان جسدي مازال قابعاً هناك منتظرا نفسي لكي تعود إليه لكي يستقبلا معاً قرص الشمس من جديد، و لكنها لم تعد، فلقد وقفت هناك في الأعلى تراقب "القرية" التي طالما عشقتها و قد عزل أهلها "الكبير" الذي طالما صم أذنيه عن الاستماع لهم، و تشاهد "الحداد" و رجال "مجلس الصفوة" و "أهل القرية"  يقتادونهم إلى "الحصن" حيث سيتم احتجازهم لحين البت في أمرهم.
لكن المشهد الأشد جذباً للانتباه، كان مشهد تلك الربوة التي تتوسط "القري" و التي يقف عليها رجل لم أستطع تبين ملامحه من موقعي و هو يخطب في الناس قائلاً: إن ما حدث كان أمراً محتوماً، فالله "يمهل و لا يهمل"، و "الكبير" و "الحداد" و "مجلس الصفوة" علوا في الأرض، و كان السكوت عليهم إثماً، و أصبح الخروج عليهم واجباً، و أنه كان حقاً على الله أن ينصر "أهل القرية المؤمنين"، و أنه سيعمل قدر جهده لكي ينفق "ما آتاه الله"  لينشر "الحرية و العدالة" في ربوع "القرية".
اقتربت أكثر من الربوة لأتبين ملامح الرجل، فطوال مكوثي بين "أهل القرية" لا أذكر أنه كان هناك من تبنى مطالبهم لكي يجرؤ أحدهم الآن و يعتلي منصة خطابتهم و يمنح نفسه حق قيادتهم !! .. ها أنا ذا اقترب أكثر فأكثر من الرجل .. ها هي ملامحه تتضح شيئا فشيئاً .. رجل يبلغ الثمانين من العمر، يلبس مما يلبسه "اهل القرية"، و له لحية خفيفة .. نعم إنه هو .. من لم أقتنع بصلاحه من البداية رغم ثقة الجميع ..

Tuesday, December 1, 2015

قطر .. أكذوبة المصالحة و خداع المصافحة

إيهاب الشيمي

 
"قالوا للحرامي إحلف .. قال جالك الفرج"  !!

هذا تماماً هو المثل الذي ينطبق في نظري على موقف القائمين على الأمور في قطر من مسألة إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح بشأن علاقتهم مع مصر، و قبلها مع المملكة العربية السعودية، و الإمارات العربية المتحدة، و الكويت، و البحرين.

فليس أسهل من التوقيع على المعاهدات، سوى التصريح بالالتزام بتنفيذها، حتى يتم الانتهاء من إعادة ترتيب الأوراق و التقاط الأنفاس لمعاودة الهجوم من جديد في ظروف أفضل، و بتقدير أقل للخسائر المتوقعة حتى تحقيق الهدف، و الوفاء بالالتزامات تجاه شركاء مخطط تفتيت المنطقة.

فمواقف الأنظمة و خططها الاستراتيجة و علاقاتها المتشابكة بداية من أصغر صحفي مرتزق و نهاية بالقوى الامبريالية الكبرى لا يتم التخلي عنها بين ليلة و ضحاها كما قد يتوهم بعض، و قطر ليست ذلك العدو ذو الجسد الضئيل  الذي ينحني خوفاً تحت العجلات الحربية التي يقودها القائد الفرعوني "أحمس" بينما تصوره لوحة جدارية و هو يهم بقتل ذلك العدو برمحه الفولاذي اللامع كما يحلو للبعض أن يصور العلاقة بين الطرفين ممن أخذت بهم السذاجة و السطحية كل مأخذ، فتوهم أن قطر بعد إغلاق فضائية "الجزيرة مباشر مصر" ستقدم التنازلات واحدة تلو الآخرى دون مقابل، أو دون أن يكون ذلك مجرد غطاء لما هو أخطر. 

و لكي تصل بنفسك لإجابة حول مدى جدية حكام قطر في العودة للحظيرة العربية و الكف عن كل ما يقومون به من أفعال تؤرق مضاجع الجميع، فدعني أسرد عليك الأمر من البداية لكي تعرف أصل الحكاية..

في يونيو من عام 1995 أعلن حمد بن خليفة آل ثاني وزير الدفاع و ولي العهد القطري عزل والده خليفة بن حمد أمير البلاد و تنصيب نفسه أميراً عليها في انقلاب أبيض مفاجئ أثناء وجود الأمير الوالد خارج البلاد، و استعان على ذلك لضمان  استتباب الحكم له، بمساعدة حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني ليكون الذراع الأيمن له في السيطرة على مقاليد الحكم، و كبح جماح اي محاولة داخل الأسرة الحاكمة لمعارضة ذلك الانقلاب و محاولة إعادة والده للحكم مرة أخرى، و عينه وزيراً للخارجية و فوض له الكثير من أمور الحكم و رسم الخطوط العريضة السياسات الخارجية للإمارة.

و يبدو أن الشريكين كانوا على عجلة من أمرهم لتنفيذ التزاماتهم تجاه شريكهم الخفي و من سيقوم بحمايتهم ضد تدخل  دول عربية و خليجية كبرى ترفض الانقلاب على الشيخ خليفة مثل السعودية، و الإمارات، و مصر. ففي أعقاب تولي حمد بن خليفة للحكم بثلاثة أشهر فقط، و في سبتمبر 1995 وصل الكولونيل تشارلي سميذرز ليمهد لانشاء قيادة الجيش الأمريكي المركزية في الشرق الأوسط على الأراضي القطرية، و تبع هذه الزيارة بسبعة أشهر فقط قيام رئيس الوزراء الإسرائيلي "شيمون بيريز" بزيارة قطر في أبريل 1996، ثم افتتاح بورصة الغاز القطرية في تل أبيب و إبرام صفقة بيع الغاز لها و افتتاح مكتب لرعاية المصالح الإسرائيلية في الدوحة، ثم تم إطلاق قناة "الجزيرة" الفضائية في نوفمبر من نفس العام بمنحة من حمد بن خليفة بلغت 150 مليون ريال في تسلسل للأحداث لا يمكن إغفال معانيه و تبعاته، و في سيناريو يوضح كيف أن "حمد" و شريكه "حمد" قررا الخروج من عباءة الإمارة الصغيرة التابعة لشقيقتها الكبرى، ليكونوا "نجوم الشباك" في عروض الولايات المتحدة المرتقبة في المنطقة، و لكي يكونا فرسي الرهان لدى واشنطن حين يتعلق الأمر بشركاء يمكن الاعتماد عليهم لتمرير خططها لشرق أوسط جديد.

خلال الفترة من 1996 و حتى 1999  كان لمكتب رعاية المصالح دوراً كبيرا في تذليل كل الصعاب التي واجهت تطوير العلاقات مع إسرائيل، و تم الحصول من الأمير شخصياً على ضمانات و تسهيلات من مسئولين و شركات قطرية كبرى. كما أن الدوحة لعبت دوراً كبيراً في فتح العلاقات التجارية بين دول المغرب العربي و إسرائيل، بدعوى تحقيق شروط "مؤتمر مدريد للسلام"، و كذلك أقنعت دول مجلس التعاون الخليجي، بحجة "مدريد" أيضاً، بإعلان وقف المقاطعة الاقتصادية غير المباشرة المفروضة على الشركات العاملة في إسرائيل أو معها، وتلت ذلك إقامة علاقات بين إسرائيل وهيئات ومؤسسات وشركات خليجية مثل طيران الخليج، والخطوط الجوية القطرية، وغيرها من الشركات التي خففت من القيود المفروضة على المسافرين والمؤن الآتية من إسرائيل إلى الدول العربية بمساعدة قطرية.

التحول الأكبر في ظهور قطر كدولة لها ثقلها السياسي و الاستراتيجي و دورها المحوري في المنطقة انطلاقاً من علاقاتها بالولايات المتحدة في مواجهة الدور التقليدي للمملكة العربية السعودية و مصر، كان  في عام 2003، حيث اعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن نقل مركز العمليات الجوية القتالية الأمريكية لمنطقة الشرق الأوسط من "قاعدة الأمير سلطان الجوية" في المملكة العربية السعودية إلى "قاعدة العديد" الجوية في قطر جنوب الدوحة، كما تم نقل المقر الميداني للقيادة العسكرية المركزية للمنطقة الوسطى للقوات المسلحة الأمريكية و الممتدة من آسيا الوسطى إلى وسط إفريقيا إلى قاعدة "السيلية" القطرية، و التي أصبحت أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة، و كانت المركز الرئيسي لإدارة الحرب على العراق في عام 2003، كما استخدمت أيضا في الحرب على أفغانستان، بل و مركزا رئيسياً لنقل شحنات القنابل الذكية التي استعملت في قصف إسرائيل للبنان في 2006عام ، و المخزن الاستراتيجي الرئيسي لإسرائيل عندما نفدت صواريخها في حربها على غزة في عام 2009.

و قد تسأل عزيزي القارئ .. لماذا قطر؟!

و الإجابة لن تكون لكونها دولة صغيرة، فقيمة الدول حالياً لا تقاس بمساحتها الجغرافية، بل إن الجواب يكمن في أن حكامها الجدد يسهل إملاء الشروط عليهم، مقابل منحهم النفوذ الذي يفتقدونه و يسعون إليه داخلياً و خارجياً، و هو ما يتوافر لدى قطر، و لا يمكن تحقيقه بالتأكيد من خلال الحليف التقليدي و التاريخي المتمثل في المملكة العربية السعودية.

و لكن كيف ستنفذ قطر خطط شريكتها الكبرى في المنطقة، و كيف سيسكت الجميع عن كل تلك الحقائق المزعجة التي أوردناها؟

و الجواب من كلمتين: "الجزيرة" .. و "الاسلام السياسي"

فقناة الجزيرة كان لها الدور الرئيسي في التغطية على كل تلك الحقائق، من خلال التركيز على عيوب و مشاكل الدول الأخرى، و إبراز حكام قطر الجدد بمظهر المدافعين عن الحريات و الديمقراطية و حقوق الانسان، بل و لا مانع من إفراد مساحات كبيرة لمهاجمة الولايات المتحدة و إسرائيل بحيث ينشغل الجميع عن حقيقة الدور القطري في تمرير خططهم بالمنطقة.

و لإضفاء مزيد من الشرعية على المخطط، بل و على استقرار الحكم لهم في الدوحة فلقد كان من الواجب على الحكام الجدد استقطاب أبواق تمنحهم الشرعية اللازمة سواء لاستمرارهم في الحكم، أو لمساعدتهم على استكمال المخطط الذي تعهدوا بتنفيذه لصالح الولايات المتحدة.

و من هنا عزيزي القارئ يمكنك تفهم العلاقة الوثيقة بين حكام قطر و جماعات "الاسلام السياسي" و على رأسها "جماعة الإخوان المسلمين"، فوجود قيادات الجماعة أمثال "القرضاوي" في قطر منذ الستينيات و حصول معظمهم على الجنسية القطرية، يجعلهم الخيار الأمثل لتحقيق الغرضين: غرض أن يكونوا ابواقاً للنظام يضفون عليه الشرعية في الداخل و في المحيط الإقليمي، و الغرض الأهم و هو نشر أيديولوجية  تزاوج الدين بالسلطة لتحقيق التمكين لهم و لسادتهم من خلف الكواليس.

و بالفعل، فلقد جاء التحول الجذري و الدراماتيكي الذي خلقته ثورات الربيع العربي في المشهد، ليجعل من الجماعة بمثابة البيضة الذهبية لكل من حكام قطر و حليفتها الكبرى، فالجماعة بامتداها في كل الأقطار العربية ستوفر انتشاراً فعالاً، و تضمن تنفيذاً سريعاً للمخطط لا يمكن لأي تنظيم آخر توفيره، ناهيك عن كون فكر الجماعة مرتعاً خصباً لخلق ما تريده الولايات المتحدة من تنظيمات فرعية متشددة، و أذرع و ميليشيات مسلحة تمنحها ما تشتهيه من فوضى تتمكن من خلالها من إعادة رسم خارطة المنطقة، و الاستيلاء على ما تبقى فيها من موارد.

و لا أخفيكم سراً، ففكرة الانقضاض على الثورات تبدو أكثر جاذبية و أقل دموية و اكثر قبولاً في أمريكاٍ، و تعطي المخطط نكهة لم تمنحها له الحرب التي ورطوا فيها صدام ضد الكويت و التي تمكنوا بعدها من بناء قواعدهم في الخليج، أو تلك الحرب التي مهد لها صنيعتهم بن لادن في أفغانستان و التي تمكنوا بعدها من بناء قواعدهم في آسيا الوسطى،  أو تلك المعارك التي تشعلها حماس و حزب الله في فلسطين و لبنان من آن لآخر لتفجير المنطقة برمتها!

و من هنا زاد دعم حكام قطر و احتضانهم لجماعة "الإخوان المسلمين" و الأحزاب المنبثقة عنها في مصر و تونس و ليبيا و اليمن و سوريا، و كذلك دعمهم لنسلها من تنظيمات "القاعدة"، و "حماس"، و "جبهة النصرة"، و "داعش"، و "ميليشيات فجر ليبيا"، التي ظهرت في البداية من خلال شاشة "الجزيرة" كحركات مقاومة إسلامية جهادية ضد قوى الاحتلال و الاستبداد و القمع، ثم لم تلبث أن ظهر وجهها الحقيقي كأذرع سياسية راديكالية و عسكرية لقوى الإسلام السياسي الساعية للوصول إلى السلطة في تلك الدول من خلال فرض حكمها بقوة السلاح و الدم و التكفير و الإرهاب الفكري و الديني و الجسدي.

ما زاد المشهد تعقيداً، هو أن الأمور انقلبت رأساً على عقب داخل الدائرة الصغيرة للحكم في قطر، فطموح "حمد بن جاسم" هو كرسي الإمارة و ليس فقط رئاسة الوزراء التي منحه إياها "حمد بن خليفة"، و هو يرى أنه بكل ما يملك من نفوذ داخل الأسرة الحاكمة، و كل ما أسسه من علاقات خارجية، الأجدر بالحكم في حال تدهورت صحة الأمير.

لكن فشل بن جاسم في إقناع السعودية و دول الخليج بالاستمرار في دعم الميليشيات المتشددة ضد نظام الأسد في سوريا، و هو ما أدى لإجبار أمريكا و تركيا على الانصياع لطلب السعودية و حليفاتها بقتال داعش في منعطف لم يكن في حسبانهما، و فشل الإخوان في مصر بالرغم من كل ما قدمه بن جاسم من دعم لهم زاد عن الثمانية مليارات دولار ناهيك عن الدعم الإعلامي الغير مسبوق، و تداعيات تفجير فضيحة ابنته في لندن على يد موالين للأمير نفسه كما يتم تناقل الأمر، كل ذلك أجبر"بن جاسم" على التخلي عن طموحه، و كان لزاماً على "حمد بن خليفة" أن يتحرك سريعاً لضمان بقاء الحكم محصوراً في نسله و أن يستبق أي محاولة من الأسرة لفرض اسم من غير أبناءه، و هو ما فعله بإعلانه تنازله عن الحكم لولده "تميم"، بالرغم من أنه ليس الابن الأكبر له، و لكنه في الوقت ذاته الأقرب لجماعة الإخوان المسلمين و قياداتهم و فكرهم، و الأكثر دراية بشئون الدفاع و العلاقات مع الولايات المتحدة، و هو كذلك الابن الأكبر للشيخة موزة بنت ناصر المسند التي تضمن بتوليه الحكم بقاءها في دائرة الضوء بالرغم من عدم انتمائها لعائلة آل ثاني التي تنتمي إليها زوجتي "حمد بن خليفة" الأخريات.

في النهاية عزيزي القارئ، و بعد أن علمت كيف أن بقاء حكام قطر مرتبط و بشدة بتنفيذ أجندات الولايات المتحدة، و بوجود الإخوان المسلمين، و باستمرار الفوضى، فأظن أنك الآن تعلم كيف سيكون التزامهم بالمصالحة مع مصر .. أما الحديث عن تسليم "القرضاوي"، و طرد مذيعي "الجزيرة"، و تجميد أموال "الإخوان المسلمين" في قطر و مصادرتها لصالح مصر، و وساطة قطر للصلح بين أنقرة و القاهرة والرياض و كل ما يتم ترويجه من شائعات حول تحول الجميع فجاة إلى ملائكة رحمة فلا يستحق الالتفات إليه من الأساس !

حفظ الله مصر و شعبها .. و جعل كيد أعدائها في نحورهم.

تم نشر المقال الأصلي في روزاليوسف المصرية بتاريخ 29 ديسمبر 2014

Friday, November 27, 2015

داعش .. أصول التشدد و غموض التمدد !



بسبب عدم تطبيق الشريعة في العالم الإسلامي، فإنه لم يعد إسلاميًا، وعاد إلى الجاهلية، ولكي يعود الإسلام، فالمسلمون بحاجة لإقامة "دولة إسلامية حقيقية" مع تطبيق الشريعة الإسلامية، وتخليص العالم الإسلامي من أي تأثيرات لغير المسلمين، مثل مفاهيم "الاشتراكية" أو "القومية" !


هذا ما كتبه "سيد قطب" أحد الاباء الروحيين لتنظيم "الإخوان المسلمين" و مؤسس التيار القطبي، و ما آمن به تلاميذه و مريديه و من بينهم "محفوظ عزام"  محاميه الشخصي و منفذ وصيته و آخر من رأى "سيد قطب" قبل إعدامه ...


عفواً .. نسيت أن أخبرك عزيزي القارئ أن "محفوظ عزام" هو كذلك خال "أيمن الظواهري" الذي إمتلأ دماغه منذ صغره بكلمات "سيد قطب" و جعل فتاواه مبرراً لاعتناق فكرة "ردة المجتمع"، و هو  الأمر الذي لا يعطي فقط للجهاديين "ثغرة شرعية لقتل مسلمين آخرين"، لكنه جعله "أمرًا واجب التنفيذ شرعاً لأنهم و حكوماتهم و قادتهم عدلوا عن تنفيذ الشريعة.


و هكذا أصبح "الظواهري" أحد مؤسسي تنظيم الجهاد و جناحه العسكري في مصر في نهاية السبعينيات، بل و كان ضمن المعتقلين في قضية اغتيال "السادات"، حيث حكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات لحيازته أسلحة و انضمامه لتنظيم محظور.


عقب الإفراج عنه في عام 1985 توجه "الظواهري" للسعودية و منها لباكستان ثم لأفغانستان حيث انضم للمجاهدين ضد السوفييت، و أسس فرعاً لتنظيم الجهاد هناك، و كان ضمن قادة المجاهدين العرب الذين اجتمعوا في صيف 1988 لتوحيد فصائل الجهاد تحت قيادة موحدة تم تسميتها بمجموعة "القاعدة" بزعامة "اسامة بن لادن"، و التي أصبحت القيادة العسكرية الرسمية للفصائل الإسلامية التي هدفها رفع كلمة الله و البحث عن الأماكن التي يمكن الانتصار فيها لدينه خارج افغانستان بعد انسحاب السوفييت.


و عقب الانسحاب السوفييتي من أفغانستان عاد "بن لادن" للسعودية، ثم تم نفيه و سحب الجنسية منه عقب هجومه على "آل سعود" لسماحهم بوجود القوات الأمريكية "الكافرة" في "الأراضي المقدسة" أثناء حرب الخليج ضد "صدام حسين"، و اجتمع شمل "الظواهري" و "بن لادن" من جديد في السودان التي منحتهما ملاذاً آمنا في ضيافة "حسن الترابي".


شكل استيلاء "طالبان" على السلطة في أفغانستان فرصة لعودة "بن لادن" و "الظواهري" إليها من جديد ليبدأوا في تنفيذ عمليات نوعية ضد المصالح الغربية و الأمريكية تحديداً، حيث  تم تفجير ثكنات الجيش الأمريكي في السعودية في 1996، و تفجير السفارة الأمريكية في نيروبي في 1998، و نهاية بالحدث الأكثر تأثيراً و هو تفجير برجي التجارة في نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر 2001 و هو ما عاد بالنفع على أمريكا على عكس ما يبدو، حيث برر احتلال أمريكا لأفغانستان و مكنها من وضع قدميها في وسط آسيا لتكون شوكة في ظهر الصين و روسيا، و شريكة لدول حوض بحر قزوين في ثرواتها النفطية.


و تحت ستار "الحرب على الإرهاب" غزت الولايات المتحدة و حلفائها العراق في 2003، حيث أعلنت "جماعة التوحيد و الجهاد" بقيادة "ابو مصعب الزرقاوي" مبايعتها "أسامة بن لادن" و تشكيل "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين" و هو ما تراجعوا عنه لاحقاً عقب مقتل "الزرقاوي" في 2006 ليعلنوا انضمامهم لما يسمى "مجلس شورى المجاهدين" و الذي أعلن في نفس العام قيام "دولة العراق الإسلامية" تحت زعامة "أبو عمر البغدادي" الذي تم اغتياله في إحدى عمليات الجيش الأمريكي في أبريل 2010 ليتم اختيار "أبو بكر البغدادي" خليفة له.


و في أعقاب اندلاع الثورة السورية ، و تحديداً في نهايات عام 2011، تم الإعلان عن تشكيل ما يسمى "جبهة النصرة لأهل الشام" كتنظيم إسلامي مسلح مناهض لنظام "الأسد"، لينضم بذلك إلى الفصائل المسلحة التي تقاتل جنباً إلى جنب مع "الجيش الحر"، و التي يمكنها الحصول على الدعم المالي و العسكري و اللوجيستي من التحالف الخليجي الغربي ضد نظام "الأسد". و فيما لا يمكن ان أعتبره صدفة، و في ابريل 2013 و بعد ثلاثة أشهر فقط من أول بيان رسمي لتنظيم "جبهة النصرة" في سوريا، أعلن "أبو بكر البغدادي" من العراق قيام "الدولة الإسلامية في العراق و الشام" و المعروفة اختصاراً بإسم ... "داعش" !


و هكذا انضمت "الدولة الإسلامية في العراق و الشام" كفصيل إسلامي مسلح للمشهد الدموي في سوريا، و هو ما دفع "جبهة النصرة" أن تعلن في المقابل مبايعتها لزعيم "القاعدة" "أيمن الظواهري" لتنفي أي صلة لها بتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق و الشام" و ممارساته الشاذة، و هي المفاجأة المدوية التي شعر معها التحالف الدولي الداعم للمعارضة السورية ضد الأسد بحجم الخديعة التي تعرض لها!


و لكن الشئ اللافت هنا عزيز القارئ، أنه و بالرغم من قتال "داعش" لكتائب "جبهة النصرة" و "الجيش الحر" في إطار سعيها للإستيلاء على كل ما يمكن من حقول النفط و المدن و المواقع الاستراتيجية في سوريا، إلا أن "جبهة النصرة" كانت دائماً ما تنسحب دون قتال من العديد من المدن و حقول النفط الكبرى التي استولت عليها بصعوبة من قوات الأسد، لتتركها لقمة سائغة لمقاتلي "داعش"، و هو ما ساعد "داعش" على التركيز على الجبهة العراقية و الاستيلاء على الموصل و إعلان قيام الخلافة الإسلامية و إزالة الحدود بين العراق و سوريا منذ ثمانية أشهر فقط  و تحديداً في يونيو 2014، في مشهد يثير الكثير من التساؤلات حول حقيقة ولاء "جبهة النصرة" !


و هكذا عزيز القارئ .. يمكنك مما سبق أن تتوصل لجذور و أصول التشدد الذي يميز "داعش" و أخواتها، و الذي يعود في النهاية لكتابات و تعاليم الإخواني "سيد قطب" في ستينيات القرن الماضي ، كما يمكنك أن تتأكد أن كل تلك المسميات لكل تلك الفصائل و التنظيمات التي تملأ صفحات الجرائد، و شاشات الفضائيات، ما هي إلا أقنعة متعددة لوجه واحد يسعى صاحبه لإعادة رسم خريطة المنطقة لإقامة "دولة الخلافة" المزعومة التي يظنون أنها ستعيد للإسلام مجده و قوته على حساب دماء و أرواح المسلمين أنفسهم ممن سيقومون بتكفيرهم و ادعاء ردتهم كما هو الحال في طرح التيار القطبي للحل.


ما تبقى هنا فقط هو أن الفت انتباهك إلى أن المساحة الزمنية التي استغرقتها هذه التنظيمات لطرح أفكار مؤسسيها و انتشارها، و لكي تظهر للعلن و تنتشر في عدة دول، و تشكل خطراً على السلام و الأمن الدوليين و حتى ظهور "داعش"، هي ما يزيد على نصف قرن منذ ستينيات القرن الماضي، و حتى يومنا هذا.


و هذا تماما ما يثير الكثير من الأسئلة حول كيفية استطاعة "داعش" في خلال ثمانية أشهر فقط، منذ استيلائها على الموصل في العراق في يوينو الماضي، أن تزيد عدد مقاتليها من أربعة آلاف فقط إلى خمسين الفاً في سوريا وحدها، بالإضافة إلى ثلاثين ألفاً في العراق، بينما تذكر التقديرات الأولية أن العدد قد يصل إلى عشرة آلاف في ليبيا منذ إعلان قيام التنظيم في ولاية برقة أوائل العام الحالي !



.. كيف يمكن لتنظيم ظل منذ غزو العراق في 2003 مجرد فصيل يتصارع على قيادة المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي و قوات الحكومة الشيعية التابعة له في بغداد، أن يتمدد بصورة أقرب ما تكون لامتداد الموجة الانفجارية لقنبلة نووية، مدمراً في وجهه كل ما يقابله ؟

.. كيف يمكن لتنظيم أن ينشر مقاتليه بكل تلك الأسلحة الثقيلة التي يملكونها على أراضي ثلاث دول هي سوريا، و العراق، و ليبيا، دون أن ترصد كل تلك التحركات أجهزة الأقمار الصناعية العسكرية، أو طائرات التجسس، أو حتى أعين أعرابي على ظهر ناقته في إحدى صحاري هذه الدول ؟!


.. كيف يمكن لتنظيم أن يدفع يوميا نفقات ما يقارب المئة ألف من المقاتلين، و مصروفات تشغيل معداتهم و إصلاحها، و إمدادها بالوقود، و تسليحها بالذخائر؟!


.. كيف يمكن لتنظيم أن يحصل على الآلاف من سيارات الدفع الرباعي الجديدة كلياً ليمكنه تسيير دوريات أمنية في المناطق التي يسيطر عليها، و كيف تصل هذه السيارات من أقصى الشرق في اليابان إلى مناطق الصراع دون أن يتم رصد تحركها و معرفة سفن شحنها، و موانئ تصديرها و وصولها؟!


.. كيف يمكن لتنظيم أن يستولي على حقول نفط في ثلاث دول، ثم لا يستطيع أحد رصد خطوط الأنابيب و ناقلات النفط، و شاحنات الوقود التي يبيع من خلالها ما استولى عليه، بل و معرفة من يشتري منه نفطه و يدعم اقتصاده و يساعد على انتشاره؟!


.. و الأهم من ذلك كله، كيف يمكن أن أصدق أن الطائرات الأمريكية لا يمكنها طوال ثمانية أشهر توجيه ضربات للتنظيم سوى في كوباني و بعض المناطق المحدودة بينما الحقيقة أن التنظيم يسيطر على مساحات في سوريا و العراق توازي مساحة بريطانيا، إن لم تكن تزيد؟

هل علينا أن نصدق أن "داعش" تمتلك ما امتلكه عبد المنعم إبراهيم في فيلم "سر طاقية الإخفاء" حتى يمكنها فعل كل شئ دون أن يلحظها أحد، أم أنها تمتلك "الفانوس السحري" الذي حقق لإسماعيل ياسين كل ما يريده دون عناء ؟!


وهل علينا أن نصدق أن تنظيم أنصار بيت المقدس الذي تظاهر بكونه كياناً مستقلاً من أهل سيناء الذين خرجوا ضد سلطة الدولة المصرية، قبل أن يكشف عن هويته الحقيقية بمبايعته لداعش في نوفمر 2014، قد مول من تبرعات بدو سيناء و مساهماتهم شراء كل تلك الأسلحة و حفر تلك الشبكة الضخمة من الأنفاق وتوفير ذلك التمويل اللامحدود اللازم للإنفاق على أكثر من 1000 مقاتل و تدريبهم، بالإضافة للأموال اللازمة لشراء ذمم أصحاب النفوس الضعيفة و المرتزقة ممن باعوا الوطن من أجل حفنة دولارات!

بل و هل علينا أن نصدق بعد كل تلك العلاقات التي كشفها هذا المقال أن نصدق ما تدعيه كل تلك التنظيمات من عدم ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين، بل و اعتبارها جماعة مارقة عن درب الجهاد لمشاركتها في العملية السياسية لأنظمة الطواغيت الكافرة و من يواليها من شعوب المنطقة ؟!

الصورة لا تحتاج لإيضاح يا سادة، فالمؤامرة واضحة، و الهدف منها أوضح، و ليس علينا سوى أن نقرر لأنفسنا ما هو الأصلح لنا ضد هؤلاء دون انتظار وصاية من يدعمونهم من خلف الستار.


حمى الله مصر و أهلها .. و سدد على طريق الحق خطى جيشها العظيم.



Friday, November 20, 2015

أمريكا و التمويل .. في الشام و أرض النيل

رابط المقال في روزاليوسف المصرية بتاريخ سبتمبر 2014



إيهاب الشيمي
 " هي داعش في سوريا و العراق، بتجيب فلوس تصرف على الكلام دة كله منين يا مولانا، و مين اللي بيديها الفلوس دي، و مصر إيه دخلها في الكلام  دة ؟!

لا أريدك أن تخجل من الجهر بكل هذه الأسئلة، بل إني أريدك أن تضيف إليها أيضاً: " و مين اللي بيساعد الميليشيات الإخوانية و الجهادية اللي عندنا في سيناء و هناك في ليبيا و عايز مصر تخرب زي البلاد اللي حوالينا؟"

سأذكر لك هنا بعض الأحداث و الحقائق التي ستمكنك من استخلاص الإجابات على هذه التساؤلات بنفسك، و دعني أبدأ القصة في يوليو 2013 في مرحلة ما قبل فض اعتصامي  رابعة و النهضة المسلحين بأسبوعين تقريباً، فحينها و وسط كل تلك الأجواء المشحونة بالتوتر و الخوف على وحدة البلاد، و الغضب من بجاحة التدخل السافر للولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي في الشأن الداخلي في مصر، و ترويجهما لأكذوبة الانقلاب العسكري على حكم الجماعة المشئومة، لم ينتبه الكثير من المصريين، بل و المراقبين و المحللين السياسيين، لخبر ترشيح الولايات المتحدة للسيد "روبرت فورد" كسفير لها لدى القاهرة. و كعادة وسائل الإعلام المصرية التي تتميز عادة بنظرة ضحلة في تناولها للكثير من الأمور، فلقد هلل معظمها للخبر بدعوى أنه اعتراف ضمني من الولايات المتحدة بشرعية ما حدث في يونيو، و إقرار برغبتها في التعاطي مع الحكومة القائمة بتمثيل دبلوماسي كامل!

و بقدر تفاؤل و تهليل  الكثيرين لذلك الخبر، بقدر ما أصابني بالكثير من الإنزعاج لما يحمله كما رأيت من فأل سئ، و بلغ بي حجم القلق أن بدأت تمر بعقلي صوراً من نسج خيالي للدمار المروع و هو يملأ شوارع القاهرة وسط أصوات طلقات الرصاص و دوي الانفجارات، و صراخ النساء و الأطفال، و جثث الضحايا الممزوجة بالدماء و الأشلاء المتناثرة هنا و هناك !

و لن أستغرب منك قولك أني قد بالغت قليلاً في هذه التخيلات لما يمكن أن يحدث في مصر، و لكن حين تقرأ السطور التالية عن تاريخ السيد "فورد" فستغفر لي مبالغتي، فالسيد "روبرت فورد" هو أحد الدبلوماسيين الذين ارتبط اسمهم في السياسة الأمريكية بما يعرف "بخيار السلفادور"، و هو خيار تستخدمه الولايات المتحدة في بلدان و مناطق بعينها، عن طريق جهود استخباراتية و عمليات سرية، لتمويل و تدريب عناصر متشددة للقيام بعمليات إرهاب و قتل جماعي دون رحمة بهدف زعزعة الاستقرار و الثقة و بث الرعب في نفوس مناصري تلك الأنظمة، و سقوطها في النهاية إما بانتصار الميلشيات المدعومة من واشنطن، أو بالتدخل الدولي بحجة انقاذ المدنيين من المذابح و الحرب الأهلية، ثم تنصيب حكومة عميلة لواشنطن في نهاية الأمر تحت عباءة الانتخابات الديمقراطية التي غالباً ما ترجح كفتها أموال واشنطن و مصالح النخب السياسية و الاقتصادية في تلك الدولة معها.  و هذا الخيار نفذته واشنطن ببراعة و سرية في أمريكا الجنوبية و تحديداً في السلفادور، كما نفذته في نيكارجوا حين دعمت ثوار الكونترا ضد حكومة الساندينيستا من خلال سفيرها في هندوراس السيد "جون نيجروبونتي" ما بين عامي 1981 و 1985، و هو ما نتج عنه مصرع أكثر من 50 الفاً من المدنيين في نيكاراجوا، و أكثر من 75 الفاً غيرهم في السلفادور.

و قد تجد عزيز القارئ صعوبةً بالغة في إمكانية ربط ما حدث منذ ثلاثين عاماً في النصف الغربي من الكرة الأرضية و ما يحدث الآن في الشرق الأسط، خاصةً مع انتهاء حقبة الحرب الباردة و انهيار الاتحاد السوفييتي، و لكن دعني أفاجئك بأنه بعد عشرين عاماً و تحديداً في عام 2004 عادت الولايات المتحدة لتعيين نفس الرجل و هو السيد "نيجروبونتي" كسفير لها في بغداد، ليبدا في تنفيذ نفس الخطة بنشر القتل الجماعي و الارهاب و تمويل الجماعات التي تنفذ ذلك سرا عن طريق التنسيق معها بواسطة الرجل الثاني في السفارة الذي لم يكن سوى السيد "روبرت فورد"، و الذي كان أيضاً ممثل الولايات المتحدة في "النجف الأشرف" معقل جيش المهدي الشيعي و صاحب أكثر العمليات دموية و تشدداً في العراق عقب سقوط نظام "صدام حسين"، ثم انتقل بعدها ليمثلها في القاءات السرية مع تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، و ميليشيات البشمركة الكردية، و غيرها من التنظيمات المسلحة للعشائر السنية.

و بعد أن تم التأكد من وضع أسس "خيار السلفادور" في العراق وبدأ بالفعل سقوط آلاف الضحايا، تم تعيين السيد "فورد" في عام 2006 كسفير للولايات المتحدة الأمريكية في الجزائرليبدأ وضع حجر الأساس لسلفادور جديدة هناك، و بالفعل ظهر نفس النموذج في الجزائر بالإعلان عن قيام "تنظيم القاعدة في المغرب العربي" عقب تولي "فورد" للمنصب بفترة وجيزة. و قام التنظيم في البداية بعمليات محدودة ضد مصالح أمريكية للتغطية على علاقته بها، ثم نقل عملياته بالكامل إلى مناطق الصحراء الحدودية بين مالي و الجزائر و هي المنطقة التي تزود الولايات المتحدة بأكثر من 60% من البترول عالي الجودة، بحيث يمكن لقوات أمريكية فرنسية التدخل و السيطرة على المنطقة و حقولها النفطية فيما بعد بدعوى مكافحة الإرهاب، و هو ما بدات بوادره تلوح في الأفق حالياً.

و حين تأكدت الولايات المتحدة من نجاح إطلاق "خيار السلفادور" في الجزائر، تم الانتقال للحلقة التالية من المسلسل الدموي بالإعلان عن ترشيح "فورد" سفيرا للولايات المتحدة لدى دمشق في يناير 2011، و قبل شهرين فقط من انطلاق الثورة السورية في الجنوب في "درعا"، و هي الثورة التي نعلم جميعاً أنها تخلت عن السلمية التي ميزت الثورة المصرية، ليعلن الثوار عن قيام "الجيش السوري الحر" الذي انضم له منشقون عن الجيش السوري، و تنظيم القاعدة في سوريا فيما بعد متمثلاً في "جبهة النصرة"، ليتحول الصراع إلى "سلفادور" أخرى كما حدث في العراق قبلها. و بدأ بالفعل انتشار عمليات القتل الجماعي و القصف العشوائي دون تمييز لمن يقوم بها، وسط تنسيق كامل بين الولايات المتحدة و أجهزة المخابرات التركية مع الفصائل المؤججة للصراع، و وسط فبركة إعلامية لوسائل الإعلام و على رأسها البي بي سي و الجزيرة ليتم إيهام الجميع أن المجرم الوحيد هو نظام بشار الأسد الدموي، و ليس الجماعات الممولة من الولايات المتحدة و حلفائها، و بذلك يسهل اتهام النظام  وحده بارتكاب كل الفظائع لتبرير إسقاطه و تدمير بنيته التحتية و من بينها الجيش السوري، و يتم بالتوازي مع ذلك تمويل تلك الجماعات و إمدادها بالسلاح بدعوى دعم الثورة و الحريات، بينما تقوم هذه الجماعات فعلياً بذبح المدنيين المؤيدين للنظام أو الرافضين لوجودها، بل و تقوم بقتال معارضي النظام أنفسهم بدعوى علمانيتهم و خطرهم على المشروع الإسلامي الذين يرونه الخيار الأمثل للحكم بعد سقوط بشار الأسد، و هو ما أدى لارتفاع عدد الضحايا في سوريا لما يزيد على 150 ألفاً بالإضافة لمئات الآلاف من الجرحى و المشردين في نجاح غير مسبوق لخيار السلفادور.

و عقب إسقاط الشعب لمصري لغير المأسوف عليه "مرسي" و من يمثلهم من جماعة الظلام و الاتجار بالدين، وجدت الولايات المتحدة الفرصة السانحة و الظروف المثالية لتطبيق "خيار السلفادور" في أكثر البلدان تحدياً لإمكانية نجاحه .. مصر، فبدأت بمساندة الإخوان المسلمين سياسياً و إنسانياً بدعوى تمثيلهم للشرعية، وطورت جهودها بالتنسيق مع تنظيم القاعدة بقيادة محمد الظواهري، و الجماعات التكفيرية و الجهادية في سيناء و الصحراء الغربية و شرق ليبيا، و تسليحها و تمويلها لتكون نواة لما يشبه الجيش الحر في سوريا و بدء صراع مسلح مع الجيش المصري يسقط خلاله الملايين من الضحايا و لتسقط معهم وحدة مصر و استقلالها، ليمكن بالتالي للولايات المتحدة السيطرة على أهم ممر مائي لنقل البترول في المنطقة و المتمثل في قناة السويس تحت ستار حماية الملاحة فيه، و كذلك لكي تتخلص من أكبر خطر على خطتها و المتمثل في الجيش المصري و عقيدته التابتة كجيش وطني موحد.

و لا أظنك ستجد الكثير من الصعوبة لاستنتاج اسم الرجل الذي سيقود تنفيذ تلك الخطة ببراعة و دقة، و هو ما أعلنته الولايات المتحدة بالفعل بترشيحها للرجل المناسب و هو "روبرت فورد" للمنصب، و هو ما لم يتم قبوله، لتتعرض مصر بعدها لأشد هجوم على ثورة يونيو من الولايات المتحدة و أوروبا.

يمكنك الآن عزيزي القارئ الإجابة على تساؤلاتك حول هوية من يمول "داعش" و مثيلاتها و يزودهم بالمعلومات اللازمة لتنفيذ خططهم، و لكن لكي تكتمل لديك الصورة فدعني ألقي عليها المزيد من الضوء لأوضح لك أن حقل "العمر"  النفطي الأكبر في سوريا يقع في المنطقة التي قاتلت فيها القاعدة ممثلة في "جبهة النصرة" قوات النظام السوري و قوات المعارضة الوطنية في الجيش الحر، لتفاجئ الجميع فيما بعد ذلك بعدة أشهر بتسليمها الحقل طواعيةً و بدون قتال لتنظيم "داعش"، و هو ما يمكنك أن تفهمه الآن بعد أن عرفت علاقة "القاعدة"  و "داعش" في العراق و سوريا و الجزائر و مصر بالولايات المتحدة.
 

دعني أيضاً أوضح لك أن "داعش" تبيع النفط الذي استولت على حقوله في وسط العراق عن طريق بيعه للحكومة الكردية في الشمال بأقل من ربع ثمنه، بينما تقوم ببيع الجزء الآخر عن طريق صهاريج و خط أنابيب يمتد عبر الحدود الدولية وصولاً إلى ميناء جيهان التركي و لصالح شركات تركية و بتنسيق سري مع حكومة "أردوجان" لتشتري البرميل بعشرين دولاراً فقط، و تبيعه لشركة "إكسون موبيل" الأمريكية بأربعين دولاراً، حيث تبيعه الأخيرة في السوق العالمية بسعر يتجاوز 120 دولاراً للبرميل وسط صمت الحكومة الأمريكية و خداعها للعالم بدعوتها مجلس الأمن لتجريم بيع النفط العراقي عن طريق "داعش"، و بذلك تستطيع أيضاً عزيزي القارئ أن تدرك سر هجوم "داعش" على وسط و شمال العراق حيث حقول النفط و ليس على بغداد حيث الحكومة العميلة الخائنة كما يقولون.

و سأترك لك هنا نشوة الفرحة باستنتاج من الذي يمول نفس الميليشيات في ليبيا، و من الذي يغض الطرف عن تهريب البترول الليبي، و لمن تذهب عمولات بيعه، و لماذا غضبت الولايات المتحدة و أوروبا حين قصفت طائرات مجهولة الميليشيات التابعة للقاعدة و الاسلاميين في طرابلس.

بقي لي في النهاية  "عشان أريح ضميري"، أن أهمس في أذنك بمعلومة أخيرة و صغيرة، و هي أن شركة "إكسون موبيل" التي تشتري بترول "داعش" تديرها و أسستها عائلة "روكفلر" الأمريكية العريقة، و التي ترتبط بعلاقات مالية و اقتصادية قوية مع النظام الحاكم في قطر منذ بداية ضخ النفط فيها في أربعينيات القرن الماضي، و تدير استثمارات العائلة الحاكمة هناك منذ عقود.

Tuesday, November 17, 2015

حوار عالقهوة .. " من وحي تفجيرات باريس " !

إيهاب الشيمي

 في أحد الشوارع الشهيرة بوسط القاهرة و أسفل إحدى العمارات ذات الطابع الأوروبي الملئ بالزخارف .. ارتفع صوت عامل المقهى و هو يقول : " أيوة جااااي" بينما يلتفت فجأة إلى شابين اقتربا من بعيد يبدو أنهما من معتادي إرتياد المقهى.

في سرعة واضحة هرول الرجل تجاههما و هو يرحب بهما في شدة قائلاً: " اتفضلوا يا بهوات .. نورتونا" ثم أردف بسرعة:  " لأ .. لأ .. بلاش الترابيزة دي .. دي قاعد فيها بعيد عنكم طقم مؤيدي الشرعية بتاع كل يوم .. ربنا يهديهم و يتوب عليهم من اللي همة فيه ! "

و هنا توجه الشابان إلى طاولة أخرى في ركن المقهى حيث يمكنهما الاستمتاع بالحوار دون أن ينغص عليهما جلستهما آراء أولئك الذين حذر منهم الرجل من مؤيدي الجماعة المحظورة "

بعد أن طلب كل منهما مشروبه المفضل، التقط أحد الشابين طرف الحديث متسائلاً:

هو احنا إزاي لسة أصحاب برغم اختلافنا السياسي الواضح يا صديقي ؟

و هنا أجاب صديقه قائلاً: لأننا مختلفين .. بس في حب البلد .. مش على حبها  من عدمه ! .. يعني كل مشكلتنا ن كل واحد بيحب البلد بطريقته و احنا الاتنين مقتنعين بدة، و دة اللي بيجمعنا و يرجعنا تاني نتكلم مهما اختلفنا و اتخانقنا.

و حينها أكمل الشاب الأول الحديث بينما تعالت ضحكاته قائلاً: " آه و الله .. على رأي الواد القهوجي .. أنا دولجي و انت ثورجي .. بس أحسن من طقم كوبايات الشرعية اللي هناك دة"

ثم أكمل الدولجي الحديث قائلاً: شفت يا عم .. أهو فرنسا عشان 120 نفر بس البلد اتقلبت  .. دة احنا جامدين بقى على كدة

الثورجي: و هي الجمودية بعدد اللي ماتوا ؟ الدولة المفروض تتحرك و تأمن الناس حتى لو واحد بس مات غدر !

الدولجي: طيب ما همة عملوا زينا في الآخر

الثورجي: زينا إزاي يعني ؟

الدولجي: نزلوا الجيش و أعلنوا الطوارئ و اعتقلوا الناس و قفلوا الحدود  و ...


الثورجي: استنى استنى بس .. همة نزلوا وحدات من الجيش تساعد البوليس لأنهم ببساطة معندهمش أمن مركزي زيك .. و الجيش اللي نزل  بيأمن بس لكن مش من حقه يعتقل و لا اللي يساعد في اعتقاله بيتحول لمحكمة عسكرية زي ما بيحصل عندك ..و بالنسبة لموضوع الطوارئ الرئيس جمع البرلمان النهاردة بغرفتيه عشان يوافقوا على إعلانها لمدة 3 شهور بس مش لغاية ما ربنا يسهل.. و الاعتقالات مش عشوائية و لا حاجة.. دول قبضوا على الموجودين على قوائم المراقبة بس، أو أصدقاء و أسر المهاجمين، و كلهم طلعوا بعد يومين بس ، مش زي ما الداخلية عندنا  بتخش الشارع تلم عاطل على باطل و النيابة ترزع الكل 4 ايام و يتجدد لهم 45 يوم في 45 يوم لغاية ما نفرز البرئ من اللي عليه العين بعد ما يكون اتمرمط و أهله داخوا عليه السبع دوخات ..

الدولجي : طيب و الحدود اللي انت طنشتها ؟

الثورجي: حضرتك مفيش في اوروبا كلها حدود أصلاً .. إغلاق الحدود عندهم معناه انهم يحطوا نقط تفتيش على الطرق الواصلة بين الدول .. حاجة كدة زي كمين كوبري أكتوبر عندنا ..

الدولجي: بس أحسن حاجة ان محدش اتكلم عن الأمن و لا قال الوزير يمشي .. ناس وطنية بصحيح

الثورجي: لأن حضرتك وزير الداخلية هناك منصب سياسي .. يعني ما كانش ضابط و لا حاجة  .. اللي بيتعاقب هو الرئيس لما الشعب يرفض يجدد له تاني في الانتخابات الجاية .. لكن الانتقادات موجودة و في كل الجرايد للمخابرات و  شرطة مكافحة الإرهاب و ناس كتير منهم خاضعين لتدقيق جامد لمعرفة سبب الحادث بالرغم من وجود منفذين العمليات على قوائم المراقبة ..

الدولجي: يعني احنا وحشين في نظرك في كل حاجة كدة ؟

الثورجي: احنا كويسين .. و القانون بتاعنا بيضمن الحقوق .. المشكلة في طريقة التطبيق و بطء الإجراءات  .. و تدريب الكوادر الأمنية و تغيير نظرتهم للمواطن من كونه مصدر تهديد إلى كونه مصدر عون و دعم لجهود مصر عشان تقف في وش الإرهاب!

الدولجي: بس يا عم انت الكلام دة لسة قدامه وقت طويل لما يتحقق، و البلد مش ناقصة .. كفاية التهديدات و الإرهاب و المؤامرات اللي حوالينا من كل ناحية !

الثورجي: ربنا خلق الدنيا في ست أيام يا صديقي .. و اللي محصلش النهاردة .. يحصل بكرة .. المهم ما نيأسش و ما نفقدش الثقة في قدرة البلد على إنها تقدر تبقى أحسن من اللي بنتمناه كمان ليها.

الدولجي : تفتكر الموضوع دة يتحقق بعد قد إيه ؟

الثورجي: و الله مش عارف .. بس هو أكيد هيتحقق .. مش زي أمنية البهوات اللي هناك دول اللي عمرها ما هتتحقق و لا تحصل ..

الدولجي: أمنية إيه ؟

الثورجي : إن مرسي راجع !!

Monday, November 16, 2015

الشياه المنفردة

إيهاب الشيمي

عقب انهيار الإمبراطورية العثمانية في أوائل القرن العشرين أدركت القوى الاستعمارية الكبرى أن الصراع فيما بينها لن يصب سوى في مصلحة  أعدائهم المشتركين، و أن  توحدهم في كيانات ضخمة بالرغم من اختلافاتهم الداخلية و بنيتهم المجتمعية المتناقضة، و لغاتهم المتعددة و أعراقهم المختلفة، هو الحل الوحيد الذي يضمن سيطرتهم  على الشرق الأوسط  لضمان عدم عودة النفوذ الإسلامي من جديد من ناحية، و لضمان السيطرة على طرق التجارة و موارد الشرق الأوسط اللامحدودة لدعم آلة الحرب العملاقة لهذه الدول، و إمداد اقتصادياتها بما تحتاجه على حساب إفقار شعوب المنطقة من ناحية أخرى.
 

و استمرت تلك الدول منذ ذلك الحين في تنفيذ و دعم آليات تلك الاستراتيجة بدءاً من اتفاقية سايكس بيكو و مروراً بمعاهدة بازل و نهايةً بما نراه الآن من وجود الاتحاد الأوروبي و حلف النيتو .

لا أشك أن جميعنا نعلم ذلك، و أن قادتنا لا يحتاجون دروساً في التاريخ الذي يعلمون خباياه جيداً ..

و لكن ما يؤرقني هو أننا لم ندرك بعد أن السلاح الوحيد القادر على التصدي لتلك المؤامرة هو نفس السلاح الذي استخدمه الغرب ضدنا ..

نعم .. من حق كل دولة من دولنا أن تسعى منفردةً لتنمية القدرات البشرية و خلق الآليات التي تحسن من إدارة الموارد المتاحة لديها، و أن تعمل بقوة على إصلاح الداخل و ضمان الحريات و إتاحة الفرص للجميع لخدمة الوطن ..

لكن لنمنع هؤلاء من اصطيادنا كالشياه المنفردة   .. فالحل الوحيد لضمان بقائنا جميعاً و الحفاظ على تلك التنمية هو  « التكامل
» و « الوحدة »

Saturday, November 14, 2015

المستفيدون من هجمات باريس !

إيهاب الشيمي

بالرغم من حقيقة أن معظم المتابعين قد يعتقدون أن داعش هو المستفيد الوحيد من الهجمات البربرية الإرهابية التي استهدفت المدنيين الفرنسيين في باريس الليلة الماضية، إلا أنه يبدو أن القائمة تتسع لتشمل العديد من المستفيدين الاخرين .. !

كونهم القوة الحقيقية الوحيدة المتواجدة على الأرض السورية، فإن الأسد و روسيا يقبعان على قمة القائمة، فصانعو القرار الفرنسيين سيأخذون على محمل الجد خيار تحالفهم معهما ضد داعش. فإذا كانوا قد فعلوها من قبل في الحرب العالمية الثانية و تحالفوا مع ستالين الدموي ضد هتلر، فلماذا لا يكررونها الآن مع طاغية آخر ضد داعش ؟!

و على الجانب الآخر من الأطلسي، و بالرغم من الخطاب الملئ بالشجون و التضامن مع الضحايا، بعد مرور دقائق معدودة فقط على الحادث، يبدو أن الرئيس الأمريكي أوباما عاقد العزم على أن يستغل ذلك الحادث ليفرض المزيد من الضغوط على الجانب الفرنسي  لنشر قوات برية على الأرض في سوريا.

و إذا التفتنا إلى الجانب الآخر في شرق أوروبا، فإن ذلك الهجوم سيدعم و بشدة الموقف المتشدد لحكومات دول أوروبا الشرقية التي رفضت و بشدة منح حق اللجوء لأولئك الذين فروا من جحيم الحرب في وطنهم بحثاً عن الملاذ الآمن في أوروبا. ذلك الرفض الذي اعتمد و بشكل أساسي على فكرة الخوف من اندساس مقاتلي داعش ضمن أفواج اللاجئين و إمكانية تهديدهم للسلام و الأمن في تلك الدول.

و عبر القناة الانجليزية الفاصلة بين الأراضي الفرنسية و الجزر البريطانية، نجد مستفيداً آخر في 10 داوننج ستريت، فكامرون ليس في حاجة الآن ليبرر إصراره على مد العمل بحالة الاستنفار الأمني إلى مستوى « خطير» و هو الأمر الذي منحه سلطة فرض المزيد من وسائل المراقبة على الجميع و تطبيق إجراءات صارمة للأمن في جميع أنحاء المملكة المتحدة.

كما أن الرجل لن يواجه بعد الان تلك الانتقادات التي واجهها بشأن مخصصات مساندة الولايات المتحدة عسكرياً في الحرب في أفغانستان و الشرق الأوسط.

و نزولاً نحو الجنوب، فإن مصر و تونس و ليبيا ستستغل هذه الهجمات لتلقي الضوء من جديد على ضرورة التزام العالم الحر بمساندة و دعم هذه الدول في مواجهة الخطر العظيم و الوشيك الذي تشكله داعش. ذلك الخطر الذي لا بد من احتوائه  قبل أن يجد طريقه عبر سواحل المتوسط و منها مباشرةً إلى قلب أوروبا !

و في النهاية ..  تبقى الخسارة الكبرى هي خسارة أقرباء الضحايا لأحبائهم، لا لشئ إلا بسبب السماح للإرهاب بالتمدد من أجل تحقيق التوازنات السياسية السخيفة للدول العظمى و كيفية توزيع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط !

Paris Attack Beneficiaries

Ehab El Sheemy

In spite of the fact that most of us might think that ISIS is the sole beneficiary of the   terrorist attacks on French Civilians in Paris last night, it seems that the list extends to include many others ..
Being the only legitimate military force on the ground in Syria, Assad and Russia are on the top of the list. The French decisions makers are now considering an alliance with them against ISIS in Syria. If they have done it before in WWII with the Bloody Stalin against Hitler, why not with them  against ISIS ?
On the other side of the Atlantic, and despite the emotional speech of solidarity and sympathy with the victims just minutes after the attacks, Obama seems determined to use this event to apply more pressures over France and European Allies to deploy more troops and ground forces in Syria.
Looking East, this attack would strongly support the radical positions of the East European Governments that refused to give refuge to thousands of Syrian Civilians  who fled the raging war in their homeland to safety in Europe. A decision that was based on fears that ISIS members might be among the refugees.
Across the English Channel, another beneficiary is at 10 Downing Street. Cameron is no more in need to justify the long lasted “ Severe Threat Level “ security status that enabled him to deploy and apply strict security and surveillance procedures all over the UK, and most important of all, the large amount of budget that is allocated to cover the cost of the military support to the United States in the Middle east and Afghanistan.
Down to the South, Egypt, Tunisia, and Libya will make use of these attacks to highlight the obligation of the free world to support them against the great and present danger of ISIS. A danger that should be bottled-up before finding its way through the northern shores of the Mediterranean right to the heart of Europe.
The only and greatest loss here, is that of those who lost their beloved ones for nothing but allowing the expansion of terrorism for the sake of the super powers lousy political and influential considerations in the Middle East.