Tuesday, January 19, 2016

العراق .. جهنمية التبرير و أكذوبة التحرير

إيهاب الشيمي


 "الحداية ما بترميش كتاكيت"

مثل مصري يصف كيف أن الطيور الجارحة لا يمكن أن تفرط في فريستها بعد اقتناصها لتلقيها بكل بساطة في أيدينا من السماء، و هو تماماً ما ينطبق و بكل قوة على ما يحدث الآن في العراق، و تحديداً في "تكريت" و "الموصل".


فبالرغم مما قد يبدو عليه الأمر من وجود هجوم عراقي واسع النطاق على معاقل تنظيم "داعش" في "تكريت" منذ يوم الإثنين الماضي، و الإعلان عن هجوم آخر وشيك الحدوث ستشترك فيه قوات عراقية و كردية مع قوات أمريكية على محافظة "الأنبار" وصولاً إلى مدينة "الموصل" شمالاً في محافظة "نينوى"، ضد نفس التنظيم، و هو ما قد يفسره البعض على أنه صحوة للحكومة العراقية برئاسة "حيدر العبادي" لاستعادة ما فرط فيه سلفه "نوري المالكي"، إلا أن المدقق في الأمور سيجد أن المأساة ليست في طريقها للنهاية، بل في طريقها لتزداد ألماً و دموية و تعقيداً.

و لكي أقرب لك الأمور بعض الشئ، فعليك عزيزي القارئ أن تتخيل أن العراق مقسمة إلى ثلاثة أجزاء، الجنوب بأغلبية شيعية، و الوسط و الشمال الغربي بأغلبية سنية، و الشمال الشرقي بأغلبية كردية، و تقع بغداد في المركز على الخط الفاصل بين مناطق الأغلبية السنية و الأغلبية الشيعية.

و لكي أقرب لك الأمور أكثر حول الوضع الحالي، فلك أن تعرف أن تنظيم "داعش" يسيطر منذ يونيو الماضي على كل المدن الرئيسية في المحافظات ذات الأغلبية السنية التي تلاصق "بغداد" مباشرة من الشمال، مثل "تكريت" بمحافظة "صلاح الدين" و "الفلوجة" و "الرمادي" بمحافظة "الأنبار"، و "الموصل" بمحافظة "نينوى"، و لكي تشن هجوماً من العاصمة "بغداد" مباشرة إلى عاصمة التنظيم في "الموصل"، فعليك اولاً أن تمر عبر "تكريت"، و ليس أن تتجه غرباً كما أعلن وزير الدفاع العراقي و حلفاؤه الأمريكان إلى "الفلوجة" لتصل منها إلى "الموصل" بطريقة "ودنك منين يا جحا !!"

و لكي تفهم هذه "الفزورة"، فلقد رأيت أنه من واجبي أن اصارحك بالحقيقة المؤلمة و هي أن الهجومين على "تكريت" و "الأنبار" لا علاقة لهما بالآخر !!
نعم، أستطيع الآن أن أرى دهشتك و أنت تتابع كلماتي، فكيف ألا يكون للهجومين علاقة ببعضهما البعض، بينما الهدف منهما واحد و هو تحرير العراق من سيطرة تنظيم "داعش" كما تم الإعلان عن ذلك ؟!

و هذا تماماً ما أريد أن أثبت لك أنه أكذوبة كبرى!

فمن كشف سر الهجوم الضخم على "الأنبار" الذي تنوي القيام به القوات العراقية بالاشتراك مع القوات الأمريكية بدعم من طيران التحالف هو احد قادة القيادة المركزية للجيش الأمريكي خلال مؤتمر صحفي عقد في شهر فبراير الماضي، و لكي تفهم لماذا ذكر هذا المسئول العسكري الامريكي هجوم "الأنبار" فقط، بينما تجاهل هجوم "تكريت"، و كيف يمكن الكشف عن هجوم بهذه الأهمية و السرية خلال مؤتمر صحفي؟! فعليك أن تعرف أن الجيش الأمريكي يضمر الكثير من الكراهية لتلك المحافظة بعينها، و تحديداً لمدينة "الفلوجة" التي وصمت الجيش الأمريكي بأكبر عار في جبين العسكرية الأقوى في العالم منذ هزيمتها النكراء في "فييتنام".

ففي عام 2004، و عقب غزو العراق و سقوط "صدام حسين"، واجهت القوات الأمريكية احتجاجات ضخمة في "الفلوجة" اضطرت معها هي و القوات العراقية الموالية لواشنطن على فض الاحتجاجات باستخدام أقصى درجات العنف، و هو ما أدى لسقوط عدد ضخم من الضحايا من أهل المدينة، و بدء عمليات مقاومة مسلحة نوعية ضد قوات الاحتلال الأمريكي شارك فيها أهالي المدينة بأسلحة خفيفة و كمائن كبدت الأمريكان أكبر خسائر لهم منذ الغزو و فشلوا معها في احتلال المدينة، بل و تم أسر و إعدام العديد من الأمريكان العاملين بشركة "بلاك ووتر" و عرض جثثهم بطرقات المدينة في مشهد قضى تماماً على هيبة الولايات المتحدة الأمريكية العسكرية أمام العالم.

و في مواجهة هجمات المحتل الأمريكي على المدينة، لم يجد أهلها بديلاً عن التحالف مع من يمكنهم مد يد العون لحمايتها من قوات الاحتلال، و لكن ذلك الحليف لم يكن حينها سوى تنظيم القاعدة و جماعة التوحيد و الجهاد بقيادة "أبو مصعب الزرقاوي"، و هو ما منح الأمريكان فرصة ذهبية لشيطنة المدينة و إعادة محاولة السيطرة عليها بما يزيد على خمسة عشر ألف جندي من القوات الأمريكية و البريطانية و العراقية المشتركة، و باستخدام سياسة الأرض المحروقة بقصف و حرق و قتل كل من تواجد من مقاتلين و مدنيين بالمدينة باستخدام القاذفات الثقيلة.

و يبدو أن الأمريكان حتى اليوم مازالوا يعانون من عقدة معركة "الفلوجة" الأولى، و يريدون أن يستكملوا انتقامهم ممن مرغوا أنوفهم في تراب الهزيمة النكراء، فأحكموا الخطة بالاشتراك مع حكومة بغداد المركزية التابعة لهم بحيث تغض الأخيرة النظر عن  انتهاكات الميليشيات الشيعية المسلحة ضد سكان المدن و العشائر السنية في وسط العراق ليتم وضعهم في نفس مأزق عام 2004، و هو الاختيار بين أن يتركوا أنفسهم نهباً مستباحاً للميليشيات الشيعية، و بين أن يتحالفوا مع تنظيم "داعش" ضد تلك الميليشيات لينجو بأنفسهم من انتهاكاتها ضدهم، و هكذا يمكن ببساطة تصنيفهم كإرهابيين يشكلون خطراً على العراق و المنطقة بأكملها، و يتم بالتالي تبرير إبادتهم و التخلص من الصداع الذي يشكله "العرب السنة" في العراق في رأس الولايات المتحدة الأمريكية و حكومة "بغداد" الموالية لها، و وقوفهم حجر عثرة في وجه مخططاتهما لتقسيم العراق و توزيع ثرواته كما يحلو لهم.

و لكي تتأكد مما أقول، فما عليك عزيز القارئ سوى أن تعرف أن وزير الدفاع العراقي لم يعلن في بيان واحد حتى الآن عن مجريات الأحداث في "تكريت" التي يشكل "داعش" فيها خطراً مباشراً على "بغداد"، بينما انشغل طوال الأسبوع الحالي بالاجتماع مع قادة عسكريين أمريكيين لبحث تفاصيل الهجوم على "الأنبار" و "الفلوجة" فيما يدعي أنه بداية هجوم لتحرير "الموصل"، و خصص يومين كاملين لزيارة وزير الدفاع التركي و الحديث معه عن المساعدات العسكرية و اللوجستية التي ستقدمها "أنقرة" و كيف أن تدريب القوات العراقية سيتم على الأراضي "التركية" و "القطرية" و بدعم مالي من "الدوحة" مباشرة، في مشهد لا يمكن استيعابه على أنه جهد موجه لتدمير "داعش" بينما يعرف الجميع كيف يخدم التنظيم مصالح "الدوحة" و "أنقرة" !

و يمكننا الآن أن ننتقل للهجوم الآخر في "تكريت" و هو الأكثر تعقيداً و الأخطر في تبعاته على وحدة العراق، و الأكبر تهديداً حال فشله على أمن "بغداد"، و هو ما يشترك فيه ما يزيد على خمسة و عشرين ألف مقاتل في هجوم مباغت بدأ يوم الإثنين الماضي تحت شعار "الثأر لشهداء سبايكر"

و لكي تفهم أبعاد الهجوم، فيجب أن أخبرك أولاً ما المقصود بشهداء "سبايكر" !

"سبايكر" هي قاعدة جوية عراقية بالقرب من "تكريت" كان يتدرب بها أكثر من أربعة آلاف طالب عسكري عراقي، و بعد يوم واحد من استيلاء "داعش" على مدينة "الموصل"، و قبل وصول التنظيم إلى "تكريت"، فوجئ الجميع بأوامر قائد القاعدة و الصادرة له من قيادة وزارة الدفاع في حكومة "نوري المالكي" بمنح الطلاب إجازات مفتوحة، و تجريدهم من الزي العسكري و الأسلحة لحين الاتصال بهم من جديد، و عند خروجهم من القاعدة مباشرة ظهرت فجأة شاحنات عليها مسلحين تدعوهم لتوصيلهم لخارج المدينة.

المثير للشك هنا، هو كيف علم هؤلاء المسلحون أن الطلاب قد تم منحهم إجازات مفتوحة، بحيث وفروا كل ذلك العدد من الشاحنات ليكفي الجميع؟!  و الأكثر إثارة للريبة هو كيفية تصوير الأمر برمته على أنه عملية تطهير طائفي ضد الشيعة حيث خرج رموز حكومة "المالكي" بعد ساعات قليلة ليؤكدوا أن الجناة هم من أعضاء "حزب البعث" و أفراد من العشائر السنية الموالية له، و لإسباغ مزيد من الحبكة الدرامية على الأمر فلقد تم اقتياد المختطفين لقصور "صدام حسين" الرئاسية الضخمة المهجورة في المدينة حيث تم إطلاق الرصاص عليهم جميعاً و دفنهم في الصحراء القريبة أو إلقاءهم في النهر بما فيهم المصابين و كأن من فعل ذلك يريد إلصاق الأمر بسنة العراق متمثلين في رموز النظام السابق.

ما يؤكد ما أقول هنا أيضاً هو ادعاء شبكات التليفزيون الأمريكية الإخبارية و منها "سي إن إن" المعروفة بارتباطها بدوائر الحزب الديمقراطي الحاكم في الولايات المتحدة أن الجريمة طائفية و أن الضحايا جميعهم من العراقيين الشيعة، بينما الحقيقة أن التحقيقات مازالت جارية حتى الآن لكشف حقيقة المشتركين في الجريمة، و أن من ساعد من استطاعوا النجاة منهم كان العشائر السنية الموجودة بالمنطقة، و أن من بين الضحايا عدد كبير من العراقيين السنة، و أنه لا أحد من حكومة "المالكي" استطاع الرد على حقيقة من قام بإصدار أوامر انسحاب الجيش و ترك أسلحته وراءه لداعش في "الموصل"، أو من أصدر أوامر إخلاء قاعدة "سبايكر"، أو كيفية اختطاف 1700 طالب من القاعدة و إعدامهم في "تكريت" بينما لم يكن "داعش" قد وصل للمدينة بالفعل، و الأهم و هو كيف أجرى "المالكي" تحقيقاً و كشف عن أن الجناة من "العرب السنة" من المنتمين للنظام السابق و العشائر السنية الموالية له بينما لا يمكن إجراء مثل هذا التحقيق و المدينة تحت سيطرة "داعش" !

ما يهم هنا في الموضوع، أن إعلان الولايات المتحدة عن اشتراكها و دعمها للعملية الكبرى في "الأنبار" و ما يحمله ذلك من احتمالات عودة النفوذ العسكري الأمريكي إلى العراق بعد انسحابها منه، و كذلك ظهور القوة السنية المتمثلة في تركيا في الصورة كحليف للحكومة العراقية الموالية لواشنطن في بغداد، يبدو و انه استفز المارد الشيعي الإيراني في الشرق، و الذي أخذ كل تلك التطورات على أساس كونها تهديداً مباشراً للمصالح الاستراتيجية له في العراق، و تلاعباً بالتوازنات الدقيقة التي تحكم محادثات إيران النووية مع الغرب، فبدأت "طهران" على الفور في اتخاذ إجراءات مضادة عن طريق إصدار المراجع الشيعية في العراق لفتوى تسمح لما يسمى "قوات الحشد الشعبي الشيعي" ببدء هجوم ضخم على "تكريت" بحجة طرد "داعش" من المدينة، و الانتقام لشهداء "سبايكر" ، و ما يؤكد نظريتي هنا و أهمية الوضع استراتيجياً لحكام "طهران" هو استدعاء أكثر الجنرالات خبرة في "الحرس الثوري" و هو "قاسم سليماني" قائد فيلق "القدس" ليقود بنفسه العمليات في "تكريت" بعد أن هبط بطائرته القادمة من "مطار دمشق" مباشرة في "مطار بغداد" و كأنه صار يمتلك مفاتيح كل تلك المدن!

و قد يعارضني البعض هنا فيقول أن "سليماني" جاء بصفة استشارية فقط للقادة العسكريين العراقيين المنفذين للعملية، و لكن يمكنني الإجابة بكل سهولة أن "وزارة الدفاع العراقية" لم تذكر حرفاً واحداً عن هجوم "تكريت" حتى الآن بصورة رسمية، بل إن من أعلن عن وجود "سليماني" هي وكالة "فارس" الإيرانية الرسمية للأنباء و ليس "الحكومة العراقية"، و دعني أزيد الطين بلة لأقول لك أنه من بين الخمسة و العشرين ألف مقاتل، فإن هناك خمسة عشر ألفاً من "قوات الحشد الشيعي"، بالإضافة لعدة آلاف من مقاتلي "حزب الله – فرع العراق"، و قوات خاصة من "الحرس الثوري الإيراني"، بينما لا يتعدى عدد القوات النظامية العراقية بضعة آلاف من "الفرقة الخامسة مشاة" التي انتقد قادتها تجاهل وزير الدفاع لهم!

و هكذا يمكنك بسهولة أن تتأكد أن ذلك الهجوم ما هو إلا محاولة لبسط سيطرة "طهران" من جديد على المشهد العراقي، و إيجاد وضع يمكنها من خلاله موازنة القوة الأمريكية على الأرض و تأثير واشنطن المتزايد على حكومة "بغداد"، و لكن مع إضافة جديدة هذه المرة و هي كسر أنوف "العرب السنة" و احتلال "تكريت" معقلهم الأكبر و مسقط رأس "صدام حسين" بواسطة قوات "الحشد الشعبي الشيعي" بالرغم من عدم وجود أية مراقد شيعية في المدينة تبرر تواجدهم هناك لتامينها، أو وجود تجمعات شيعية يتطلب الأمر حمايتها.

و يمكنك أيضاً أن تتخيل كيف سيكون الهجوم على المدينة و حجم الفظائع التي يمكن أن ترتكب بحق أهلها بعد أن روج قادة الهجوم لادعاءات خلو المدينة من المدنيين، و أنهم سيعتبرون كل من فيها من الأعداء أو من المتحالفين مع "داعش" و أنهم سيدمرون المدينة على رؤوس من فيها، و خاصةً أن هذه القوات معروفة بالعديد من الانتهاكات و المذابح ضد المواطنين السنة في العراق.

أعلم أن ما قرأته هنا يزيد من مأساوية المشهد العراقي و العربي في ذهنك، و يزيد من الألم الذي يعتصر قلبك حزنا على أمتنا التي تكالب عليها أعدائها، لكني في النهاية لا أريد لعقلك أن يذهب للنتيجة التي يريدها هؤلاء، فالمستهدف ليس نصرة "الشيعة" على "العرب السنة" كما قد يتبادر إلى ذهنك، و إلا لكان نظام "الأسد" في دمشق و هو شيعي المذهب في مأمن من كل تلك الخطط، أو لما كان هناك حاجة لوجود صراع من الأساس في ليبيا التي يتبع كل فرقاءها المذهب السني، بل الهدف الحقيقي من كل ما يحدث هو إضعاف كل عوامل القوة في أمتنا العربية لصالح أعدائها، و البحث عن كل ما يبث الفرقة بين أبناءها باستخدام من باعوا أنفسهم و أرواحهم لأعدائها مقابل وعود بسلطة أو مال أو نفوذ.

في النهاية عزيز القارئ، أوقن أنه ليس أمامنا إلا خيارين.. إما أن نرتقي بوعينا لنعرف الدوافع الحقيقية و التبعات الحتمية لما يحدث لنكون على قدر مسئولية حماية اوطاننا، أو أن نجعل عقولنا ألعوبة في أيادي أعدائنا و ننقاد وراء أكاذيب سعيهم لتحرير أرضنا من الإرهاب و التطرف الذي زرعوه هم بأنفسهم، و حينها ربما نجد أنفسنا في النهاية بلا إرهاب كما يدعون ..

و لكننا بالتأكيد لن نجد أوطاناً نحتفل بحريتها !

Saturday, January 16, 2016

هتنزل يوم خمسة و عشرين .. ؟!


 خطوات متسارعة تلك التي كنت أخطوها بينما تمتد يدي إلى جيبي لالتقاط بطاقة التعريف الخاصة بي و أنا متجه لذلك الباب المعدني الأبيض الذي يفصل إدارة تكنولوجيا المعلومات عن بقية المبنى الذي أعمل به ..

و ما أن لامست البطاقة تلك الشريحة الذكية الملاصقة للباب حتى صدر ذلك الأزيز المتقطع معلناً إمكانية دخولي لذلك المكان الذي يغص بصفوة العقول التي تعمل بالمؤسسة، و لن أبالغ إذا قلت عقلها المفكر الذي يدير كل شئ إليكترونياً و يربط كل فروعها في مصر و يربطها بالمؤسسة الأم هناك على شواطئ الخليج العربي.

و بينما أنا منهمكٌ في البحث عن زميلي الذي أعمل معه على أحد المشاريع الهامة .. فاجأني ذلك الصوت القادم من خلفي و هو يتساءل بلهفةٍ واضحة : " هتنزل يوم خمسة و عشرين .. ؟! "

لا أستطيع حتى الان تفسير رد فعلي في تلك اللحظة، فهو خليط غريب من الدهشة و الاستغراب و المفاجأة في آن واحد .. و دعوني لا أبالغ حين أقول .. و الغضب ايضاً !

توقفت قدماي بالطبع عن الاستجابة لرغبتي الملحة في الوصول لزميلي في المشروع، و التفت جسدي بالكامل بشدة نحو مصدر ذلك السؤال .. نعم إنه هو .. أحد تلك العقول النابغة في مجاله ممن أثق في قدراتهم المهنية  و خبراتهم العلمية .. و هو ما دفعني لتكذيب أذني و العودة لسؤاله : " عفواً سيدي . هل تسألني أنا عن نيتي النزول يوم الخامس و العشرين من يناير؟ .. و ما الذي يدفعني للنزول في ذلك اليوم ؟! "

فاجاب: " ألا تستطيع أن ترى ما يحدث من حولك ؟ .. لقد عاد كل شئ كما كان أيام حكم مبارك .. مبارك الذي خرجت أنت ضده في يناير، ثم استكملت مطالبتك بتحقيق مطالب الثورة أثناء حكم المجلس العسكري و الإخوان من بعده .. أم أنك تلونت و صرت سيساوياً كحال الكثيرين من الثوار ؟"

و هنا التقط زميل آخر طرف الحديث و هو مازال ينظر إلى جهاز الكمبيوتر الخاص به دون أن يلتفت إلينا، ليقول بصوت عالٍ تلوح منه رائحة الاستهزاء : " الثورة !! .. أليست تلك هي من خربت البلاد، و دمرت الاقتصاد، و مررت المؤامرات تحت عباءة الحرية و الديمقراطية ؟! "

و لم أشعر بنفسي إلا و أنا ألتفت مرة أخرى بحدة إلى ذلك المستهزئ لأقول له بحدة لاحظها كل الموجودين:

الثورة التي تستهزئ بها قدمت لمصر ما لم يقدمه أي تحرك آخر طوال تاريخ نضال شعبها لنيل ما يستحقه ..

الثورة هي من صححت في أذهان الجميع  مفاهيم  الممارسة الديمقراطية و كشفت لهم أن من كان يبدو معارضاً للسلطة لم يكن بالضرورة ‫‏وطنياً مخلصاً، و أن من كان يؤيدها لم يكن بالضرورة ‫‏فاسداً تجب محاكمته ..

الثورة هي من فضحت ‫‏النخب السياسية التي طالما ملأت الدنيا ضجيجاً بفساد و شمولية السلطة بينما كشفت ممارساتها بعد الثورة أن فسادها و أنانيتها و سعيها نحو الشمولية و احتكار الوطنية لقادتها فقط أكثر عمقاً من السلطة التي كانت تعارضها ..

الثورة هي من قامت بتعرية الكثيرين ممن ظننت أنت أنهم أهل التقوى و الصلاح ممن لا هدف لهم سوى مصلحة الوطن، فتبين أن الوطن لديهم  مجرد معبد يريدون من خلاله تنصيب أئمتهم  و قادتهم آلهة و إلا وجب هدمه على رؤوس الجميع ..

الثورة هي من كشفت الفارق بين من يريد إسقاط النظام ليعيد بناء الوطن على أسس سليمة، و بين من يثور ليهدم  كل شئ دون أن يبذل الحد الأدنى من الجهد الذي يمكن أن يقدم حلولاً لبناء المستقبل ..

الثورة هي من خلقت الوعي بأن تفضيل شيطان على آخر هو بمثابة حكم إعدام على كل من في الوطن، و أن الفاشية الدينية أكثر خطراً من تلك العسكرية و أن معاناة ‫‏الشعب طوال عقود كانت نتاج تحالف كل هؤلاء ضده ..

الثورة هي من أتاح للجميع الإدراك  بأن ما سهل  خداع البسطاء بواسطة تجار الدين، و ما سمح للعملاء و المأجورين باستغلال انتفاضة الشعب ضد الفساد و الشمولية، لم يكن مؤامرات الخارج بقدر ما هو سياسات الأنظمة الحاكمة الفاسدة التي اعتمدت على قتل ‫‏الانتماء و ‫‏الوعي و نشر ‫‏الفقر لضمان بقائها في كرسي السلطة ..

الثورة هي من مهدت لإنهاء التبعية  المطلقة للولايات المتحدة، و عملت على إعادة روح الانتماء لهذا الوطن العظيم و الثقة في قدرة هذا الشعب على قهر التحديات و إعادة بناء جيشه و اقتصاده و بنيته التحتية و إعادة صياغة علاقاته بالعالم بناءً على مصالح الوطن و ليس مصالح القلة الحاكمة ..

هذا هو ما قدمته الثورة .. و هذا ما لا تريد أن تراه !

و هنا قاطعني بقوله : " كفى .. كفى .. لم يتبق إلا أن تنكر كل ما اكتشفناه من مؤامرات و ما عانيناه من إرهاب بسبب ثوراتكم المشئومة في البلاد العربية !"

و لم أستطع حينها إلا أن أصرخ في وجهه قائلاً : " إن الثورة هي كالعملية الجراحية التي كان لا بد منها لاستئصال أورام الفساد و القمع و الشمولية و التوريث، تلك الأورام الخبيثة التي انتشرت في جسد الوطن و هددت بموته بين لحظة و أخرى، بحيث لا يمكن لأي عاقل و وطني مخلص مدرك لخطورة الأمر أن ينكر ضرورة إجرائها. للأسف يا سيدي لقد تجاهلت أنت كل ذلك و تفرغت فقط للتشكيك في جدوى الجراحة و اتهام المريضة في شرفها لمجرد أن من بعض من أئتمنتهم على حياتها تبين فيما بعد أنهم من العملاء و تجار الدين ممن انتهكوا حرمة جسدها بينما كانت ضعيفة واهنة ! "

و استطردت قائلاً: " يا عزيزي، إن من يعد الثورة ضد الفساد في يناير مؤامرة لأن أمريكا و الإخوان استغلوها لتنفيذ مخططهم، هو كمن يعد يونيو انقلاباً لأن الجيش ساند شعبه فيها!" .. و حينها لم يستطع الرد على كلامي، إما لاقتناعه بما قلت، و إما لأن عناده منعه من أن يفكر به من الأساس !

و في تلك اللحظة هتف زميلي الأول الذي سألني عن النزول قائلاً : " ينصر دينك .. هذا يعني أنك ستنزل يوم الخامس و العشرين معي و مع الاخرين" .. و هنا أيضا تقمصت دور الفنانة راقية إبراهيم حين قالت لمحمد عبد الوهاب في أغنية "حكيم عيون" و فاجاته قائلاً: " بالطبع لأ" !

ثم جنبته إحراج السؤال و استطردت قائلاً :

نعم .. أعلم أن هناك الكثير مما يزال يحتاج المزيد من الإصلاح لتحقيق أهداف الثورة ..

نعم .. هناك الكثير من المسئولين ممن يمارسون نفس الطقوس الكريهة لترسيخ الفساد و المحسوبية و الرشوة ..

نعم .. مازالت عقيدة الكثيرين من المنتمين للأجهزة الأمنية هي حماية السلطة و ليس حماية و خدمة المواطنين ..

نعم .. مازالت الموازنة العامة تفتقد الكثير مما يضمن حقوق محدودي الدخل و تضغط على ميزانياتهم بزيادة الضرائب و أسعار الخدمات مقابل منح الكثير من الامتيازات لذوي الثروة و رجال الأعمال و الصناعة بحجة تحسين مناخ الاستثمار و تنمية الاقتصاد الوطني ..

نعم مازال هناك الكثر مما يجب عمله لتطوير التعليم و منح الجميع الحق في رعاية طبية كاملة و حياة كريمة بدلاً من استجداء التبرعات لبناء المستشفيات على شاشات الفضائيات في رمضان ..

لكن ذلك كله يا سيدي لا يمنحك الحق في القيام بثورة جديدة ..

فأجاب بدهشة و هو عاقد حاجبيه في غضبٍ واضح : " و ما الذي يعنيه ذلك كله إذا لم يكن مبررا للقيام بها ؟! " ..

فأجبته :

كل ذلك يفرض عليك و على من تريد النزول معهم أن تدركوا أن النية لتحسن الأمور و السير في الاتجاه الصحيح باتت موجودة لدى القيادة السياسية، و لكن تحقق ذلك على أرض الواقع يعتمد عليكم أنتم لتساعدوا من في السلطة على القيام بما هو واجب، أو في أسوأ الأحوال لمنعه من التخاذل عن تنفيذ وعوده نتيجة ضغط الجماعات الموالية للنظام البائد أو أولئك القابضين على مفاتيح الاقتصاد الوطني من أباطرة الصناعة و الإعلام ..

عليكم إدراك أن أي تحرك من شأنه تقويض الاستقرار سيكون الباب الذي ستدخل من خلاله من جديد أطماع و مؤامرات و خطط الإخوان و العملاء و الدول التي تحركهم لتنفيذ مخططاتهم للمنطقة و لمصر تحديداً ..

عليكم الاستماع لأصوات العقلاء و المخلصين بضرورة خلق كيانات سياسية فاعلة تطرح رؤية واضحة للمستقبل و تؤسس لمشاركة شعبية قائمة على التواصل الحقيقي مع الجميع بدلاً من الصراخ برفض كل شئ و المخاطرة بوحدة و سلامة الوطن دون طرح البدائل ..

عليكم التوقف عن الانسحاب من المشهد الانتخابي و دفن رؤوسكم في حفرة التبريرات الساذجة، بتدخل الجهات السيادية و شراء الأصوات، لتتجنبوا الاعتراف بفشلكم طوال خمس سنوات في الحصول على ثقة الشعب و تمثيله و لو بنسبة ضئيلة في البرلمان يمكنم البناء عليها لتحقيق الأغلبية فيما بعد ..

عليكم ان تعترفوا لأنفسكم أولاً، أن سيطرة رموز الوطني و النظام البائد و رجال المال و النفوذ على المشهد البرلماني ليس لتواطؤ السلطة معهم، أو لحنين الشعب الذي خرج عليهم في يناير إلى ممارساتهم الفاسدة، أو لحاجة البسطاء لما يشترون أصواتهم  به، و لكن لأنكم لم تكونوا هناك من الأساس حيث أرادكم الشعب كي يختاركم  بدلاً عنهم !

حين تحقق أنت و من معك كل ذلك .. و تجد أن السلطة مازالت على حالها الذي ثرنا عليه في يناير، فسأنزل معك بالتأكيد يوم الخامس و العشرين من يناير .. و حتى ذلك الحين .. يمكن الاتصال بي في منزلي يومها بينما اقص على أولادي كيف أننا خرجنا في مثل ذلك اليوم من أجلهم، و كيف أننا سنواصل العمل الجاد يداً بيد مع القيادة الحالية من أجل مستقبل افضل لمصر.

انتهيت من كلامي، و تركت كلا منهما يفكر فيما قلته، و لكني أكاد أقسم أني سمعت صوت الأول و أنا أخطو مبتعداً عنه و هو يسأل نفسه قائلاً:

"هتنزل يوم خمسة و عشرين ؟! "

Friday, January 8, 2016

العين الواحدة !

إيهاب الشيمي
القاهرة

"حبيبك يبلع لك الزلط .. و عدوك يتمنى لك الغلط"

 مثل شعبي يتجاوز حدود المعنى الحرفي لكلماته، ليصف حقيقة رؤية الكثيرين للأشياء من منظور واحد فقط، حيث ليس هناك من خيارات سوى ما يريده هو، فأما الحب المطلق، و إما الكراهية العمياء!

 ولا يقتصر مفهوم النظر بعين واحدة على مفهوم هؤلاء و رؤيتهم لمن حولهم فقط في العمل أو العائلة أو حتى داخل الأسرة الواحدة، بل يمتد ليشمل ترجمتهم لكل ما يشاهدونه، و يسمعونه، ويقرأونه، فتجدهم و قد استوعبوا – فقط - تلك الأجزاء التي توافق توجههم فقط، بينما تتجاهل عقولهم بشكل لا إرادي و تلقائي كل ما يتعارض مع قناعاتهم و أهدافهم المرحلية أو القصوى.

 تلك العين الواحدة هي التي ترى أن من حق القاهرة أن تعبر حدودها لتقصف طائراتها معسكرات من يهددون أمنها القومي في ليبيا بينما تنكر على الرياض حقها في فعل نفس الشئ لحماية أمنها القومي عبر الحدود في اليمن  !

 العين الواحدة التي ترى أحقيتنا في محاكمة و إعدام من ثبت تخابرهم مع أنظمة خارجية لزعزعة الاستقرار في مصر، بينما تنتقد إعدام نمر النمر و هو من فعل نفس الشئ لزعزعة استقرار السعودية بل و الخليج برمته بتعاونه مع ملالي طهران و عمائم حزب الله و جنرالات الحرس الثوري !

 العين الواحدة التي ترى أحقية الرياض في تشكيل " تحالف إسلامي " ضد الإرهاب بينما تعتبر بيان الكنيسة الروسية المؤيد للضربات الجوية ضد داعش حرباً صليبية ضد المسلمين  !

العين الواحدة التي ترى الأبرياء يموتون بسبب  القصف الروسي فقط، و كأن طائرات  التحالف كانت تلقي لهم بالقنابل التي تزهر وروداً حين تصطدم باسطح منازلهم طوال أكثر من عام و نصف من القصف الذي لم يسفر سوع عن تهجير الملايين و استيلاء داعش على أضعاف ما كانت تسيطر عليه قبل بدء القصف  !

العين الواحدة التي ترى الجيش السوري يحاصر المدن و القرى و البلدات فيمنع الطعام و الدواء و الأغطية عن المدنيين الذين لا يشكلون له أي تهديد ، بينما يمكن مرور الإمدادات و الأسلحة للمسلحين المعارضين لنظام الأسد ليستطيعوا مواصلة القتال و قتل المزيد من جنوده  !

العين الواحدة التي ترى في سعي الدول الغربية لتأمين مصالحها و تحقيق أهدافها بتكوين كيانات اقتصادية و عسكرية ضخمة مؤامرة كبرى، بينما تتجاهل فشل أنظمتنا الحاكمة الذريع في فعل الشئ نفسه و التوحد في كيانات مماثلة تدافع عن مصالح شعوبنا و تقف في وجه مخططات الغرب و تبدأ في تنفيذ مشروع قومي يتعدى الحدود الضيقة لكل دولة ليشمل المنطقة برمتها !

العين الواحدة التي ترى أن المعزول مرسي هو من يمتلك شرعية الصندوق، بينما تتغاضى عن أنه أول من انتهك تلك الشرعية بما أصدره من قرارات تقوض دعائم الديمقراطية و تمنح السلطة المطلقة لجماعته فقط !


العين الواحدة التي ترى في أردوغان الصورة المثلى لاندماج قيم الاسلام و تعاليم الشريعة بقيم الديمقراطية الحديثة و تمنحه حق الدفاع عن حقوق الإخوان المسلمين في مصر و السعودية و ليبيا و تونس و غيرها، بينما تتغاضى عن بحور الدم التي تملأ شوارع المدن التركية ذات الأغلبية الكردية التي عاث فيها زبانيته قتلاً و اعتقالاً ضد معارضيه !

العين الواحدة التي ترى أن البرلمان المصري الأخير هو مجموعة من أذناب النظام البائد أو حفنة من المدسوسين أمنياً، و تتغاضى عن أن من يملأون الدنيا صراخاً للترويج لذلك هم من انسحبوا من الانتخابات لفشلهم في التواصل مع الشعب الذي يدعون التحدث بلسانه و ينصبون أنفسهم أوصياء على خياراته !

العين الواحدة التي ترى أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، بينما تتغاضى عن أنه مازال الكثير لنفعله لمحاربة الفساد و تغيير عقلية القائمين على إدارة مؤسسات الدولة و إعادة هيكلة منظومة الأجهزة الأمنية و تغيير عقيدتها التي زرعها نظام مبارك بأنها هنا لحماية الحاكم و ليس لخدمة الشعب !

 و هي  نفس العين التي ترى ان السلطة يديرها مجموعة ممن منحتهم أجنحة الملائكة المنزهين عن الخطأ، بينما شيطنت كل من يمارس حقه الديمقراطي الطبيعي لمد يد العون لها بالنصح و العون و النقد كلما تطلب الأمر ذلك فحولته إلى خائن أو عميل أو جاهل !

 إن من يقرأ وهو يريد أن يتوصل لما يوافق هواه فسيصل لما يريد، و من يقرأ لكي يفهم المغزى الحقيقي للكلمات، فسيقدر حتما الصعوبة التي جعلته أكثر فهما لمن حوله، و ما حوله، و أكثر إدراكاً لحقيقة التحديات، و أكثر وعياً بكيفية ترجمة حبه لوطنه لواقع ملموس يشاركه فيه كل أبناء الوطن المخلصين. 
 

خلاصة القول هو أن الصورة لا تكتمل إلا بفتح كلتا العينين بحيث يمكنهما رؤية المشهد كاملاً، فلا يمكن بحال من الأحوال رؤية كل ما هو إيجابي فقط، و لا أن نصر على رؤية كل ما هو سلبي فقط، فكما أن الإيجابيات هامة لبث روح العمل و العزيمة و الإرادة الجادة للبناء، فإن رؤية السلبيات كذلك ضرورية لتصحيح المسار كلما تطلب الأمر ذلك، و مستقبل الأمة لا يمكن أن نراه بعين واحدة !

Monday, January 4, 2016

السعودية و إيران .. المواجهة المستحيلة !

إيهاب الشيمي
القاهرة


أحاديث بعض الإعلاميين السعوديين  و الخليجيين الباحثين عن الإثارة و تصريحات بعض مجانين الحرس الثوري عن قرب حدوث مواجهة عسكرية  مباشرة بين إيران و السعودية ، كلها محض هراء ..

فإيران لن تضع نفسها على الإطلاق في مواجهة القوى السنية الكبرى عسكرياً و بشرياً في باكستان و مصر و التي ستدعم و بشكل كامل، رسمياً و شعبياً، الرياض ضد أي عمل إيراني أخرق يقوم به ملالي طهران لإنقاذ ما تبقى من نظامهم المتهاوي بعد الضربات المتتالية التي تلقاها في سوريا و اليمن.

كما أن طهران تعي جيداً أن واشنطن لن تقف مكتوفة الأيدي و هي ترى حليفها الأكبر في المنطقة و رفيق حربها النفطية الشرسة ضد موسكو و هو يتعرض للهجوم من دولة طالما اعتبرها الشعب الأمريكي عدواً تاريخياً و تهديداً مباشراً لأمنه بل و لقيم الحرية و المساواة في العالم أجمع، خاصةً
بعد إعلان إدارة أوباما الأخير في واشنطن عن إمكانية فرض عقوبات جديدة على طهران في استجابة لضغوط النواب الجمهوريين في الكونجرس الأمريكي !

و أخيراً .. فإن عمائم طهران لن تجازف بخسارة الصورة التي عملوا جاهدين على تحسينها أمام العالم حتى تمكنوا من رفع العقوبات الاقتصادية و استكمال برنامجهم الصاروخي و توقيع الاتفاق النووي مع أوروبا و الولايات المتحدة، و الذي سمح لهم باستكمال ما يدعون أنه برنامج نووي سلمي لا أرى إلا أنه غطاء لبناء  سلاح نووي يمكنهم من بسط نفوذهم على المنطقة برمتها !

خلاصة القول .. أن المواجهة العسكرية المباشرة مستحيلة، و لكن المواجهات غير المباشرة ستندلع و بشراسة على أراضي العديد من الدول الأخرى في لبنان و العراق و سوريا واليمن. 

لكن سلاح العمائم الأخطر الذي سيعملون على استخدامه بإفراط في المرحلة القادمة  سيكون بالتأكيد بث الفتنة الطائفية و تأجيج الصراع الشيعي السني داخل المملكة بل و في أرجاء الخليج العربي بأكمله بدءاً من البحرين و مروراً بالكويت .

السؤال الذي يطرح نفسه و بشدة هنا هو .. ماذا سيكون موقف قطر و تركيا و هما من أبرمتا اتفاقيات تعاون عسكري و دفاع مشترك مع طهران مؤخراً، فهل سيكشف حكام الدوحة عن نواياهم الخبيثة بالتقاعس عن فعل شئ تجاه طهران مساندة للرياض، أم أنهم سيذرون الرماد في العيون ببيانات شجب و استدعاء سفير الملالي للاحتجاج الصوري بينما تبث جزيرتهم سمومها عبر الأثير؟


و الأهم هو .. هل سترى أنقرة في تلك المواجهة فرصة ذهبية  يتم من خلالها إضعاف الرياض و إنهاكها إقتصادياً و عسكرياً، و بالتالي التأكيد على كون تركيا القوة السنية الأعظم في المنطقة ؟ أم  أنها ستنحاز و لو بشكل صوري إلى جانب الرياض في وجه الخطر الصفوي من أجل حماية مصالحها في العراق و جمهوريات وسط آسيا التي تنشر فيها إيران التشيع ليكون حصان طروادة الذي تستطيع من خلاله السيطرة على المنطقة و إعادة بناء الإمبراطورية الصفوية على أنقاض الإمبراطورية العثمانية البائدة التي يحلم أردوغان باعتلاء عرشها من جديد ؟!