Saturday, April 23, 2016

الاتفاق النووي .. بين الطموحات الإيرانية و الخطط الأمريكية !

إيهاب الشيمي



الخميس السادس من نوفمبر 2014 ..
قاعة الإيجاز الصحفي بالبيت الأبيض

جوش إرنست المتحدث باسم البيت الأبيض و أحد أعضاء الحلقة الصغرى المؤتمنين على الأسرار الكبرى للرئيس الأمريكي، يقف كعادته في القاعة ليجيب كالعادة على أسئلة الصحفيين ليؤكد أمراً في إجابة، و ينفي آخر في إجابة أخرى .. فجأة تعلو الدهشة وجه الرجل و يصيبه الارتباك، و لا يستطيع الإجابة على أحد الأسئلة التي لم يكن يتوقعها على الإطلاق ..
لم يكن السؤال سوى: " ما هو محتوى الرسالة التي أرسلها الرئيس أوباما إلى مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية السيد خامنئي الشهر الماضي ؟" !! .. بعد لحظات من الصمت يتمالك الرجل زمام نفسه ليرد قائلاً : " موقعي لا يخولني أن أطلع على محتوى الرسائل التي يتبادلها الرئيس بصورة خاصة مع زعماء العالم" !

التاسعة مساء الثلاثاء العشرين من يناير 2015 ..
خطاب " حالة الاتحاد " بالكونجرس الأمريكي

باراك أوباما يدخل القاعة الكبرى وسط تصفيق حاد من أعضاء مجلسي الشيوخ و النواب الجمهوريين و الديمقراطيين على حد سواء ليتخذ مكانه على المنصة قائلاً:
"سأستخدم  صلاحياتي الدستورية و حق النقض  ضد اي عقوبات جديدة يفرضها الكونجرس على إيران اثناء عقد المفاوضات المتعلقة بملفها النووي .. نعم سأستخدم حق النقض لمنع العقوبات في حال فرضها لأنها تهدد مسار التقدم الذي تحققه المفاوضات". !

الإثنين الثاني من مارس 2015 ..
بضعة كيلومترات شمال بغداد

ميليشيات الحشد الشعبي الشيعي تتقدم صوب محافظة صلاح الدين للهجوم على تكريت المعقل الحصين للغالبية السنية في العراق بدعوى تحريرها من تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، بينما تعلن وكالة "فارس" الإيرانية الرسمية للأنباء في نفس الوقت عن وجود "قاسم سليماني" قائد فيلق القدس على رأس قوات خاصة من الحرس الثوري لتقديم الدعم و المشورة للهجوم، في الوقت الذي غاب فيه خالد العبيدي وزير الدفاع العراقي تماماً عن المشهد، و لم تصدر بغداد أية بيانات تعليقاً على وجود قوات إيرانية على أراضيها !
مشاركة الجيش العراقي المزعومة تقتصر على عناصر من الفرقة الخامسة مشاة ميكانيكي المفترض أن تتواجد في محافظة ديالى و ليس صلاح الدين و التي ترفع آلياتها رايات الحسين و آل البيت و ليس رايات الجيش العراقي، بينما أعلن التحالف الدولي ضد داعش أنه ليس طرفاً في الصراع على تكريت، و أبدى قلقه من احتمال حدوث جرائم حرب ضد السكان السنة من قبل الميليشيات الشيعية في حال نجاحهم في دخول المدينة.

الأحد الثاني و العشرين من مارس 2015 ..
عشرات الآلاف يحتشدون في مؤتمر حاشد بمدينة مشهد الإيرانية بمناسبة العام الفارسي الجديد ..

فجأة يسود الصمت المكان حتى تكاد تسمع صوت أنفاسك بينما يصعد المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي درجات المنبر ليعلن في لهجة تهديدية غاضبة و بصرامة شديدة أن بلاده لن تقبل أي اتفاق مع الدول الكبرى ما لم يتضمن إنهاءاً فوريا للعقوبات المفروضة على إيران دون الانتظار لتوقيع الاتفاق النهائي، و أن كرامة إيران تأبى فرض أية شروط تمنع استمرار برنامجها النووي، لتهتز فجأة أركان المدينة بهتاف الجميع: "الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر"

الأربعاء الخامس و العشرين من مارس 2015 ..

حكومة بغداد التي تجاهلت هجوم تكريت إعلامياً تماما في البداية بحجة انشغالها في التنسيق لهجوم أكبر على الموصل، تبدي اهتماماً مفاجئاً بتطورات الأحداث على الأرض هناك بعد أن فشل الهجوم في اختراق دفاعات المدينة، و تطلب مساعدة واشنطن لدعم الهجوم المشترك للقوات الإيرانية و العراقية و الميليشيات الشيعية ضد تكريت، و تعلن أن طهران شريك أساسي في الحرب على الإرهاب و استعادة العراق لوحدته و سلامة أراضيه !

خلال ساعات وجيزة يحدث في واشنطن ما قد يأخذ شهوراً في مسائل مشابهة ..  واشنطن تتلقى رسالة بغداد، و تدرس الطلب، و تقرر فوراً بدء ضربات جوية و عمليات دعم لوجيستي و استخباراتي لمساعدة المهاجمين، و تدمر أهدافاً لداعش بنسبة نجاح تفوق عشرات المرات ما فعلته خلال العشرة شهور الماضية مجتمعة في سوريا و العراق معاً لتفتح الطريق أمام من يزعمون أنها القوات العراقية لتدخل المدينة بصحبة الإيرانين و الميليشيات الشيعية و هم يهتفون: " لبيك يا حسين .. لبيك يا فاطمة " !

الخميس الثاني من أبريل 2015 ..

مئات الصحفيين يملأون أرجاء القاعة الرئيسية لمعهد "بوليتكنيك" بمدينة لوزان السويسرية بعد أن انتهت المهلة المحددة لطهران منذ يومين للتوصل لاتفاق إطار حول البرنامج النووي الإيراني .. و لكن بدلاً من أن ينخرط هؤلاء الصحفيين في البدء في تسجيل قائمة العقوبات، صدمت فيديريكا موغيريني الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي الجميع بإعلانها التوصل خلال 48 ساعة فقط ما فشلت فيه المحادثات المكوكية التي دامت ثمانية عشر شهراً، و ما قبلها من مفاوضات دامت أكثر من عشرة أعوام كاملة !!

.. فجأة و بعد أن اجتمع جون كيري وزير الخارجية الأمريكي مع محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني لمدة تسع ساعات قبل ذلك الإعلان، تحولت إيران من أحد أضلاع مثلث الشر في العالم إلى" دولة نووية سلمية " ، و أصبح على الجميع أن يصدقوا أن وزير خارجيتها و رئيسها و مرشدهم الأعلى ابتلعوا کل تصريحاتهم و مواقفهم المملوءة غطرسة و تحدياً و وقعوا على اتفاق يحرمهم من الاستمرار في برنامجهم النووي ..

.. فجأة تحولت المنشآت النووية التي طالما شكلت تهديداً للسلام العالمي إلى مجرد منشآت للأبحاث ..

.. فجأة تحولت الدول الكبرى من عدو لطهران إلى حليف سيمدها بالتكنولوجيا اللازمة لتشغيل المفاعلات و أجهزة الطرد المركزي التي تم الاتفاق على الإبقاء عليها بأعداد مخفضة لمدة عشر سنوات ..

.. فجأة وافقت إيران على السماح بتفتيش منشآتها في أي وقت و أي مكان و دون إشعار مسبق ..

.. فجأة قررت الدول الكبرى عدم ضم برنامج الصواريخ الإيرانية الباليستية العابرة للقارات و القادرة على حمل رؤوس نووية إلى مسودة الاتفاق النهائي ..

.. و لكن يبقى المشهد الأكثر مفاجأة .. رئيس الولايات المتحدة الأمريكية يظهر على الهواء مباشرة على شاشات التليفزيون الرسمي الجمهورية الإسلامية الإيرانية للمرة الأولى في التاريخ في بث مباشر من البيت الأبيض ليعلن سعادته بالاتفاق مع طهران و كونها شريك أساسي في استعادة الاستقرار بمطقة الشرق الأوسط، خاصة في اليمن و سوريا و العراق لتسمح السلطات بعدها في طهران لعشرات الآلاف بالخروج للاحتفال بتوقيع الاتفاق مع الولايات المتحدة التي لم تكن في نظرهم منذ أيام سوى " الشيطان الأعظم " !!

و هكذا عزيزي القارئ .. و من خلال ما سردته عليك من المشاهد السابقة، يمكنك التوصل لما أصر أنا على وجوده منذ فترة ليست بالوجيزة، و هو اتفاق أمريكي إيراني خفي على حساب العرب يمنح الحزب الديمقراطي الفرصة ليحقق انجازاً يستطيع به تجميل صورته بعد أن ميزت الاخفاقات المتتالية فترة ولاية باراك أوباما في الداخل و الخارج، كما أنه يمنح الولايات المتحدة الفرصة الذهبية لاستكمال خطة تقسيم المنطقة و لكن باستخدام الأطماع الصفوية هذه المرة بعد أن فشلت خطة استخدام الجماعات الأصولية السنية حتى الآن.

ما لا يمكن إغفاله أيضاً هو الفائدة التي ستعود على طهران، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتحول نظام قمعي إستبدادي ذو توجهات توسعية في كل دول المنطقة إلى نظام يمکن الوثوق به و الاطمئنان إليه للالتزام ببنود هذا الاتفاق و التخلي عن أحلامه العدوانية التوسعية، و حلم الحصول على القنبلة النووية، بل ما أراه أن كل ذلك ما هو إلا استغلال حكام طهران لحاجة الولايات المتحدة لهم لتنفيذ أجندتها في المنطقة، مما سيمكنهم من المناورة و المراوغة في تنفيذ الاتفاقية النووية و استكمال البرنامج النووي العسكري سراً، بينما يستمتعون برفاهية رفع العقوبات و نمو الاقتصاد المنهار، و تخفيف النقمة الشعبية الداخلية، بل و نشر أذرعهم في مناطق جديدة.

يبقى لي في النهاية أن أعرض عليك المشهد الأكثر أهمية و الذي ستستطيع بكل سهول تفهم أسبابه و ردود أفعال الشخصيات الرئيسية فيه فيه بعد كل ما قرأت ..
فجر الخميس السادس و العشرين من مارس 2015 ..

المقاتلات السعودية تنطلق من قاعدة الملك خالد لتقصف معاقل الحوثيين المنقلبين على سلطة الرئيس الشرعي هادي منصور في اليمن بعد أن أداروا ظهورهم لكل الاتفاقيات التي وقعوها مع أطراف الصراع، و ضربوا بتهديدات الأمم المتحدة عرض الحائط و قرروا الهجوم على عدن و إعادة احتجاز أو قتل الرئيس منصور في ظل دعم عسكري و لوجيستي و سياسي من طهران.

الإمارات و البحرين و الكويت و مصر و المغرب و الأردن و السودان و باكستان يعلنون اشتراكهم في العملية تحت القيادة السعودية ضد حلفاء طهران، بينما الصدمة تسود أروقة صنع القرار الأمريكي بعد أن تحركت السعودية و حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط عسكرياً للمرة الأولى دون إعلامها رسمياً بذلك من خلال القنوات التقليدية، و يستشيط ملالي طهران غضباً فيطلقون اللعنات على الرياض و حلفائها، و يخرج عملائهم في العراق و لبنان و اليمن لاستنكار عملية "عاصفة الحزم "، بينما يعترض الرئيس العراقي على العملية و تتحفظ بغداد على البيان الختامي للقمة العربية.

فصول المسرحية ما زالت قيد الكتابة .. علينا فقط أن نقرر الاشتراك في كتابتها، أو الاكتفاء بمشاهدتها و البكاء لحظة إسدال الستار بواسطة مندوب الديمقراطيين في المكتب البيضاوي !

Wednesday, April 20, 2016

البكاء .. على حافة العالم !


إيهاب الشيمي
أريد أن أسير بلا توقف حتى أصل هناك ..  حيث حافة العالم !
حيث لا يوجد شيئ سوى ذلك الأفق اللامتناهي الذي  يعلو تلك الهوة السحيقة ..
نعم .. قد أبدو لك يائساً .. لكني أقاوم بشدة تلك الرغبة الجارفة في إلقاء نفسي داخل غياهب تلك الهوة التي تبدو وكأنها بلا نهاية لأستمتع و أنا مستلقٍ على وسائد سحب الصمت بصوت احتكاك الهواء بجسدي المتهاوي في استسلام تام، وكأنه سعيد باقتراب خلاصه من كل هموم العالم التي يحملها ..
ها هو التوتر يملأ المشهد و انا أقطع تلك الخطوات القليلة التي تفصلني عن التحرر من كل شئ ..
ها هو العالم من خلفي لا يكترث لي و أنا أقف في مواجهة تلك الهوة السحيقة المظلمة ..
ها هي عيناي تنظر إلى ظلمات الهوة الموحشة ثم ترتفع في بطءٍ شديد إلى ذلك الضوء الخافت الذي يحاول اختراق ضبابية الأفق البعيد ..
نعم لم يمض على وجودي هنا سوى لحظات، لكنها تبدو وكأنها الدهر بأكمله ..
ها أنا ذا أصرخ .. و أصرخ .. و أصرخ ..
ثم أصرخ ثانيةً حتى تكاد تنفجر أوداجي و تفشل قدماي في حملي لأسقط جاثياً على الأرض ..

 من جديد، يعود الصمت ليسيطر على كل شئ حتى أكاد أسمع صوت انسياب قطرات دموعي الحارقة التي تسيل ببطءٍ من جانب عيني و كأنها تحاول تخليص جسدي من حرارة ذلك البركان الهائل الذي يثور بداخله ..
ها هي تلك القطرات  تتخذ طريقها ببطءِ شديد كالحمم المنصهرة لتلتقي جميعاً في أنهار  ملتهبة أكبر حجماً و أكثر سخونة حتى يمكنها اختراق وديان مشاعر الغضب و الضيق التي تملأ ذلك الوجه المنهك لتسقط في النهاية على أرضية الحافة الصخرية الباردة الصماء و تصطدم بها في عنف لتتناثر و تتفرق من جديد ..
ها أنا ذا أنظر إلى جسدي الممدد هناك و يداي اللتان تتدليان من طرف حافة العالم ..
لا .. لست فاقداً للوعي .. لكني كذلك لا أشعر بما حولي و من حولي ..
لا شئ هناك أستطيع تمييزه سوى أصوات انفاسي التي يبدو هي الأخرى أنها استنفذت كل ما لديها من قوة فباتت أكثر هدوءاً و أقل تسارعاً ..
قد أبدو لك مجنوناً، ولكن بغرابة شديدة،  يغمرني الآن الشعور بالراحة ..
قد يكون شعوراً مؤقتاً أو مريباً بالتأكيد .. لكنه يظل في النهاية جميلاً رغم كل شيئ !
ها أنا ذا أقف من جديد و لكن ليس لأخطو تلك الخطوة الأخيرة، و لكن لأستدير عائداً من حيث أتيت بينما يصطدم بأذني صوت نحيب الهوة المكتوم وهي تحاول جاهدةً أن تمد ذراعيها لتجتذبني للسقوط في غياهبها من جديد ..
نعم، قد يبدو لك المشهد مرعباً، ولكنه ليس كذلك بالنسبة لي الآن، فستصيبك الدهشة حين تتمكن من  رؤية تلك الابتسامة الماكرة على وجهي و أنا أرى أذرع الهوة وهي تفشل المرة تلو الأخرى في التشبث بأطراف ردائي لتسقط في النهاية خاوية الوفاض إلى القاع الذي لا يبدو أنه موجود هناك من الأساس ..

نعم، لقد انتصرت اليوم ..
يمكنني الآن أن أبتسم مجدداً، و لو ليوم واحد فقط، في وجوه من تذكرت أنهم مازالوا يكترثون لأمري في هذا العالم الموحش ..
أولئك الذين منحوني الأمل حتى لا ألقي بنفسي من أعلى حافة العالم !

Sunday, April 17, 2016

مصر و التهديدات الإرهابية .. فيما وراء الحدود الليبية !


إيهاب الشيمي

" ليبيا إيه بس و وجع قلب إيه اللي السيسي  و الحكومة شاغلين نفسهم بيها دي ؟!
 ما تخلونا في حالنا و بلدنا يا جدعان !! 
و بعدين هو حد فاهم حاجة؟ 

دة كله سمك .. لبن .. تمر ليبي  يا مولانا !!"

قد يكون ذلك هو لسان حال معظم المصريين في الأيام القليلة الماضية، خاصةً بعد تداول معظم وكالات الأنباء لأخبار امتداد المعارك الشرسة بين الفصائل الليبية المتناحرة إلى قلب العاصمة طرابلس و تدمير المطار، و ما تردد من تدخل بعض دول الجوار، و من بينها مصر، عسكرياً في ليبيا لمساندة أطراف بعينها، و هو ما نفته مصر و بشدة و على لسان أكبر سلطة فيها متمثة في شخص رئيس الجمهورية.

و أستطيع هنا تفهم  مواجهة الكثيرين لصعوبات بالغة في قراءة المشهد الليبي منذ اندلاع ثورة السابع عشر من فبراير 2011 ضد القذافي، و حتى يومنا هذا، فاختلاط الأوراق، و تداخل المصالح، و تعدد السلطات، و تبدل المواقف، و كثرة المعسكرات جعلت الموقف يبدو للكثيرين مبهماً و عصياً على الفهم.

هل نؤيد "المؤتمر الوطني العام"، أم نساند "مجلس النواب"؟ .. ما الفارق بين قوات "درع ليبيا"، و قوات "عملية الكرامة"؟ .. و من هو رئيس الحكومة، و من  منهم الذي ينفذ أجندات خاصة، و من منهم يسعى ليرى ليبيا قوية موحدة تحت راية واحدة؟ .. 

و لكي تستطيع الإجابة على كل ذلك ببساطة و دون تعقيد  فدعني أطلب منك أن تمنحني تركيزك الكامل في السطور القادمة، و لن أمانع إذا تطلب منك الأمر أن تحذو حذو سمير غانم في مسرحية المتزوجون حين "ربط دماغه عشان ما تضربش" !

أصل الحكاية  يرجع للأيام الأولى للثورة، حين قرر الثوار الإعلان عن تشكيل "المجلس الوطني الانتقالي" في فبراير 2011 و قبل سقوط القذافي ليكون ذلك المجلس بمثابة الممثل الشرعي للثورة و المتحدث باسمها داخلياً و خارجياً، كما أنه سيكون بمثاية الحكومة المؤقتة التي ستتولى إدراة الأمور في حال سقوط القذافي. و تولى رئاسة "المجلس الوطني الانتقالي" حينها "مصطفى عبد الجليل" و هو وزير العدل الذي انشق عن نظام القذافي، و هو منصب يعادل منصب رئيس الجمهورية، و كان هناك منصب آخر على درجة كبيرة من الأهمية تحت مسمى رئيس المكتب التنفيذي للمجلس الوطني الانتقالي و هو  يعادل منصب رئيس الوزراء، و تولاه حينها "محمود جبريل" و هو أحد أعلام إصلاح الاقتصاد الليبي و من أسس المجلس الوطني للتطوير الاقتصادي  في ليبيا على خلفية عمله كأستاذ للإقتصاد بجامعات الولايات المتحدة، و كان قد انشق أيضاً عن القذافي في 2009 و هو متزوج من ابنة وزير الداخلية المصري الأسبق "شعراوي جمعة" و حصل على درجته الجامعية في الاقتصاد و العلوم السياسية من جامعة القاهرة.

المنصب الثالث، و الأكثر أهمية في نظري، هو منصب ممثل المجلس الوطني الانتقالي في فرنسا و أوروبا، و الذي نجح في انتزاع اعتراف الدول الأوروبية و حلفائها بالمجلس كممثل للشعب الليبي في أحلك لحظات الصراع مع القذافي، و تولى هذا المنصب "علي زيدان" و هو احد المعارضين الراديكاليين للقذافي منذ 1980 و أحد المنضمين و المؤسسين للجبهة الوطنية لانقاذ ليبيا حينها.
تولى المجلس الوطني الانتقالي السلطة بعد سقوط القذافي، و سلم السلطة في أكتوبر 2011 إلى حكومة انتقالية برئاسة "عبد الحكيم الكيب" و هو ليبي حاصل على الجنسية الأمريكية، و أستاذ في الهندسة في جامعات الولايات المتحدة الأمريكية، و قامت هذه الحكومة بإعداد كل ما يلزم من إجراءات تضمن إعلان قيام الأحزاب و تنظيم كل ما يتعلق بإجراء عملية انتخابية ديمقراطية في جميع أرجاء ليبيا لانتخاب "المؤتمر الوطني العام" أو ما قد نسميه نحن في مصر "البرلمان" أو "مجلس الشعب".

و بالفعل تم انتخاب أعضاء "المؤتمر الوطني العام" في 7 يوليو 2012، و تولى سلطاته التشريعية و الرقابية رسمياُ في اغسطس 2012، و هو تقريباً نفس التوقيت الذي تولى فيه مرسي رئاسة الجمهورية في مصر.  و انقسم "المؤتمر الوطني العام" بين معسكرين، الأول معسكر القوى الليبرالية و المدنية بزعامة "تحالف القوى الوطنية" الذي يقوده "محمود جبريل"،  و المعسكر الآخر الذي يمثل الإسلاميين و اليمين المتطرف بزعامة " حزب العدالة والبناء"  الذراع السياسية لجماعة "الإخوان المسلمين" في ليبيا، و تم انتخاب "محمد المقريف" اميناً عاماً للمؤتمر، و هو أحد المنشقين عن القذافي في 1980 أثناء توليه منصب سفير ليبيا لدى الهند.

و كما تلاحظون، فإن المشهد حتى الآن تقوده التيارات الوطنية و الليبرالية، و لذلك بدأ سعى الإسلاميين الحثيث منذ اللحظة الأولى بقيادة " حزب العدالة والبناء"  إلى السيطرة على الأمور داخل "المؤتمر الوطني العام"، و بدأ ذلك بتفصيل نص لمشروع العزل السياسي مكنهم من ضم "المقريف" لقائمة من يجب عزلهم بحجة توليه منصب سفير في نظام القذافي قبل انشقاقه، و تمكنوا في 24 يونيو 2013 من تنصيب "نوري أبو سهمين"  اميناً عاماً للمؤتمر بدلاً منه، و هو شخص يمكنهم بسهولة السيطرة عليه لضعف خبرته السياسية، و يمكنهم بالتالي التحكم في  شكل الدستور الجديد الذي سيشرف "ابو سهمين" على إعداده بصفته أميناً عاماً.

و حيث أن من مهام "المؤتمر الوطني العام" أيضاً تعيين رئيس حكومة جديد للبلاد، فلقد تم التصويت في نوفمبر 2012 على مرشحين اثنين لرئاسة الوزراء، و فاز بالتصويت "علي زيدان" المدعوم من الليبراليين بأغلبية 93 صوتاً ضد "محمد الحراري" المدعوم من الإسلاميين و حصل على 85 صوتاً فقط. و كان ذلك بمثابة إعلان فشل جديد للإسلاميين في مسعاهم للانفراد بالسلطة كما فعلوا في مصر و تونس. و لم يهدأ للإسلاميين بالاً فأخذوا يضعون العراقيل أمام "زيدان"  ليزيحوه من السلطة ، و وصل الأمر لدرجة اختطاف "زيدان" نفسه ثم إطلاق سراحه في 10 أكتوبر 2013 على يد ميليشيات "غرفة عمليات ثوار ليبيا" و هي ميليشيا إسلامية مدعومة من الإخوان في ليبيا أيضاً.

و في إطار سعي الإخوان، و من خلفهم سادتهم في الدوحة و أنقرة، للسيطرة على المشهد بشكل كامل، فقد عملوا جاهدين على إيهام الجميع برغبتهم في ضم الميليشيات المسلحة إلى الجيش الليبي ليصبحوا بمثابة حصان طروادة في أية ترتيبات لتسوية الوضع، و طلبوا من "زيدان" العمل على ذلك و إعلانه، و بالفعل تم إعلان ضم ما يعرف بميليشيات "درع ليبيا" إلى الجيش ، بالرغم من أن هذه الميليشيات التابعة لهم و لحلفائهم مقسمة فعلياً لثلاث أفرع رئيسية  (الشرق و الوسط و الغرب)، و بالرغم كذلك من بقاء ولاء هذه الميلشيات لقادتها و ليس لقادة الجيش او للحكومة المركزية.

و في خطوة غير مسبوقة، قام الإخوان و حلفاؤهم الإسلاميون في "المؤتمر الوطني العام" بعزل "زيدان" و تعيين وزير الدفاع "عبد الله الثني" قائماً بأعماله في 11 مارس 2014، و تلا ذلك إعلان ميلشيات "درع ليبيا" و المتحالفين معها من ميليشيات "أنصار الشريعة" و "مجلس شورى ثوار بنغازي" تأييدها لقرارات المؤتمر الوطني العام في تحد واضح لسلطة الحكومة المركزية !
و يجب هنا أن الفت انتباهك عزيزي القارئ أن
ميليشيات "أنصار الشريعة" موالية لتنظيم القاعدة و يقودها المدعو وسام بن حميد الوثيق الصلة بجماعة الإخوان المسلمين و علي الصلابي و عبد الحكيم بلحاج الممولين من قطر، و هي أيضاً من قامت باغتيال السفير الأمريكي  في بنغازي في عام 2012 !

و وسط كل هذه الأمواج التي تلاعبت بالسفينة الليبية، خرج اللواء المتقاعد "خليفة حفتر" في مايو 2014 و ليعلن القيام بعملية واسعة عرفت بعملية "الكرامة" للحفاظ على وحدة الأراضي الليبية واستعادة هيبة الحكومة و الجيش الليبيين، من أيدي الميليشيات الإسلامية ، و كان من الطبيعي أن يعلن الوطنيون اليبيون و القبائل الرئيسية، و كتائب و وحدات الجيش الليبي  و على رأسها كتائب القعقاع و الصواعق، و كذلك الأفرع الرئيسية من القوات الجوية و البحرية بالإضافة لقوات وزارة الداخلية  و مديريات الأمن تحالفهم مع "حفتر" في إطار عملية "الكرامة" لينضم إليهم كذلك ثوار الزنتان الأشداء في الجبل الغربي.

و يبدو أن الإسلاميين، وسط انشغالهم بكل هذه المعارك السياسية و المؤامرات الخفية، لم يلحظوا أن الفترة القانونية "للمؤتمر الوطني العام" قد انتهت و أنه قد وجب إجراء انتخابات جديدة لانتخاب "مجلس النواب" الذي سيتولى مقاليد الأمور، و بالفعل تم إعلان نتيجة الانتخابات التشريعية، في يوليو 2014 بصدمة مدوية للإخوان و حلفائهم بسقوط مدوي منحهم 23 مقعداً فقط من أصل 200 مقعد ذهبت غالبيتها للليبراليين و الفيدراليين و ممثلو القبائل و المستقلون، و وجب حينها تسليم السلطة للمجلس المنتخب الجديد، و هو ما رفضه "المؤتمر الوطني العام"، و ميليشيات "درع ليبيا" و حلفائها في انقلاب تام على الشرعية، بل و أعلنوا رفضهم لعملية "الكرامة"، و رفضهم كذلك الاعتراف بمجلس النواب المنتخب، بل و بسلطة الحكومة المركزية في طرابلس برئاسة "الثني"! ، و هو ما دعا "مجلس النواب" المنتخب لإعلانها كجماعات إرهابية، و نقل جلساته إلى طبرق تحت حماية وحدات الجيش الليبي.

و على إثر ذلك، قامت هذه الميليشيات منذ أيام بعملية موسعة للهجوم على الجيش و القوات المتحالفة مع "حفتر" في طرابلس ، و هو ما دعا "مجلس النواب" أيضاً للإعلان عن تنصيب رئيس جديد للأركان يمكنه توحيد كتائب الجيش و الأفرع الرئيسية لاستكمال عملية "الكرامة" و دحر الميليشيات الإسلامية الموالية للإخوان و القاعدة، و القضاء على تمرد أعضاء "المؤتمر الوطني العام" المنتهية ولايته،  و التأكيد على شرعية "مجلس النواب" المنتخب.

و هكذا عزيزي القارئ يمكنك  الآن أن تعرف أين يجب أن تقف مصر، و من الذي يشكل خطراً على أمنها القومي، و لماذا وقف وزير خارجيتنا اليوم مع وزير الخارجية الليبي، ورئاسة مجلس النواب الليبى المنتخب في طبرق، و رئيس الأركان الليبى الجديد، و لماذا عرض السيسي تدريب الجيش و الشرطة الليبيين ليمكنهما ضمان وحدة الراضي الليبية، فبالرغم من كل الأعباء و التحديات التي نواجهها هنا في الداخل، فلا بد لضمان امننا القومي في الداخل، ألا نغفل مواجهة التحديات الإرهابية فيما وراء الحدود الليبية.

Friday, April 8, 2016

كفتا الميزان .. بين السيسي و سلمان

إيهاب الشيمي

عقب انهيار الإمبراطورية العثمانية في أوائل القرن العشرين أدركت القوى الاستعمارية الكبرى أن الصراع فيما بينها لن يصب سوى في مصلحة  أعدائهم المشتركين، و أن  توحدهم في كيانات ضخمة بالرغم من اختلافاتهم الداخلية و بنيتهم المجتمعية المتناقضة، و لغاتهم المتعددة و أعراقهم المختلفة، هو الحل الوحيد الذي يضمن سيطرتهم  على الشرق الأوسط  لضمان عدم عودة النفوذ الإسلامي من جديد من ناحية، و لضمان السيطرة على طرق التجارة و موارد الشرق الأوسط اللامحدودة لدعم آلة الحرب العملاقة لهذه الدول، و إمداد اقتصادياتها بما تحتاجه على حساب إفقار شعوب المنطقة من ناحية أخرى.

و استمرت تلك الدول منذ ذلك الحين في تنفيذ و دعم آليات تلك الاستراتيجة بدءاً من اتفاقية سايكس بيكو و مروراً بمعاهدة بازل و نهايةً بما نراه الآن من وجود الاتحاد الأوروبي و حلف النيتو .

لا أشك أن جميعنا نعلم ذلك، و أن قادتنا لا يحتاجون دروساً في التاريخ الذي يعلمون خباياه جيداً ..

نعم .. علينا ان نعترف أن من حق كل دولة من دولنا أن تسعى منفردةً لتنمية القدرات البشرية و خلق الآليات التي تحسن من إدارة الموارد المتاحة لديها، و أن تعمل بقوة على إصلاح الداخل و ضمان الحريات و إتاحة الفرص للجميع لخدمة الوطن ..

و لكن علينا أن ندرك كذلك أن من بدأوا بفلسطين، ثم لبنان، ثم العراق، ثم السودان، ثم سوريا، ثم ليبيا، و و مازالوا يحاولون في مصر و تونس ، سيواصلون مخططهم ليمتد إلى بقية الدول و على رأسهم المملكة العربية السعودية و شقيقاتها في الخليج العربي.

علينا أن نرى كيف أن واشنطن تسعى لفصل الرياض عن محيطها العربي و ربطها فقط بتحالفات أوروبية و تركية خاضعة لهيمنتها، و هو ما يمكن قراءته بين سطور تحالف الرياض مع واشنطن في الحرب على داعش في سوريا في نفس الوقت الذي طلبت فيه تأجيل التوقيع على بروتوكول القوة العربية المشتركة التي كانت ستوفر غطاءاً عربياً قوياً للحرب على الإرهاب بدلاً من أن تزج بقواتها منفردة على كل الجبهات !

علينا أن ندرك أن هؤلاء لا يعجبهم كون السعودية و مصر كفتا ميزان استقرار المنطقة و الضامنتين لبقاء العرب كقوة فاعلة، إحداهما بثقلها الاقتصادي و الديني، و الأخرى بثقلها التاريخي و البشري و العسكري، و بالتالي فلا يمكن أن نستبعد فرضية أن أعداء الأمة قرروا أن تكون السعودية هي  الضحية التالية للإرهاب و الفوضى و المعانة الاقتصادية ، لينهار ذلك التوازن الدقيق، و لننسى جميعا ًكل تلك الخرائط التي تحدد ما اعتدنا على تسميته بالوطن العربي ؟

و قد يظن البعض أني قد بالغت بعض الشئ هنا، فالسعودية هي الحليف الأهم لواشنطن و أوروبا طوال العقود الماضية، و لكن مبرراتي يمكن رؤيتها بوضوح في كل تلك الاتفاقات التي عقدتها أوروبا و الولايات المتحدة مع إيران بدايةً من إبرام الاتفاق النووي الذي يسمح لها باستكمال مخططاتها للسيطرة على المنطقة، و الذي يغض النظر عن استمراها في بناء منظومة صواريخها الباليستية التي يمكنها بها تهديد المنطقة برمتها، و نهاية برفع العقوبات الاقتصادية عنها ليمكنها الحصول عى المزيد من الموارد و الأموال اللازمة لدعم عملائها في المنطقة في اليمن و سوريا و لبنان و العراق، بل و تطوير سلاح العمائم الأخطر الذي سيعملون على استخدامه بإفراط في المرحلة القادمة  و هو بث الفتنة الطائفية و تأجيج الصراع الشيعي السني داخل المملكة بل و في أرجاء الخليج العربي بأكمله بدءاً من البحرين و مروراً بالكويت.

و لا يمكنني هنا إلا أن أضيف أمراً آخر قد لا يتفق معي الكثيرون في خطورته و هو انتظار أنقرة للفرصة الذهبية  التي يتم من خلالها إضعاف الرياض كممثل للقوى السنية في المنطقة، و إنهاكها إقتصادياً و عسكرياً، ليمكن لأردوغان حينها ادعاء أحقية تركيا في تمثيل تلك القوى بدلاً من السعودية، و تحقيق حلمه في اعتلاء كرسي الخلافة العثمانية من جديد على أنقاض الدول العربية، و هو ما يمكن كذلك استنباطه من تحالف أنقرة مع طهران عسكرياً و اقتصادياً برغم عدائها الواضح و التاريخي للعرب و وضوح مشروعها الصفوي للاستيلاء على المنطقة برمتها، بل و تشكيك كلاً من طهران و أنقرة على ألسنة مسؤولين بارزين في أهلية المملكة و قدرتها على احتضان أعظم الشعائر الدينية لدى المسلمين أثناء حادثة التدافع الأخيرة بمنى !

و لا أنكر هنا، و بالرغم من كل تلك المؤشرات على ضرورة الوحدة و التكامل، أن هناك الكثير من نقاط التعارض بين مصالح كل من الرياض و القاهرة في الكثير من الأمور الشائكة في المنطقة، إلا أنني و في الوقت ذاته لا أرى فيها تعارضاً في الأهداف المشتركة العليا بقدر ما هو تعارض في أدوات تحقيقها لدى كل طرف !

فبينما ترى الرياض ضرورة رحيل الأسد و دعم المعارضة في سوريا مثلاً، ترى القاهرة أنه لا بد من عدم الإطاحة بالرجل حتى التوصل لصيغة سياسية تضمن بقاء الدولة و وحدة الأراضي السورية حتى لا تصل لمرحلة السيولة الثورية التي تفقد معها كل مقومات الدولة بمعهناها الحديث كما حدث في ليبيا، لنسقط في مستنقع قاعدة جديدة، و داعش أكثر وحشية و نفوذاً،  و هو ما ترجمه البعض من مثيري الفتنة على أنه تأييد مصري للمعسكر الروسي ضد الرياض، و ترجمه آخرون على أنه ارتماء من الرياض في أحضان واشنطن ضد مصالح القاهرة !

كما أنه لا يمكن أن نغفل أن الحملة العسكرية للتحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن لا يمكن أن تنجح ضد أذناب طهران بالقصف الجوي فقط، أو بتواجد قوات التحالف العربي التي تظل في النهاية مجرد داعمة للشرعية، فالأمر يتطلب و بشدة حليفاً من أهل البلاد يمكنه الوقوف في وجه الحوثي و صالح، ذلك الحليف الذي رأيت منذ بداية انطلاق عاصفة سلمان أنه سيكون حزب الإصلاح اليمني، الذراع السياسي للإخوان المسلمين في اليمن، و هو ما بدا جلياً مؤخراً في استعانة الرئيس هادي باللواء علي محسن الأحمر أحد مؤسسي الحزب و أحد المقربين من الإسلاميين هناك كرئيس للوزراء, و كحليف لا بد من وجوده في معركة صنعاء المرتقبة !

و هو الأمر الذي ستتفهمه القاهرة بالتأكيد لأن ما فرضته هي ظروف الميدان و التركيبة المعقدة للمشهد السياسي في اليمن، و لكنه أيضاً ما ستتحفظ عليه و تتعامل معه بالكثير من الحرص لما نعلمه من التوتر الشديد في العلاقة بين جماعة الإخوان و الشعب المصري بأسره، و ما تقوم به الجماعة من حملة شرسة ضد مصر في أروقة الدبلوماسية العالمية بدءاً من الدوحة و مروراً بأنقرة، و وصولاً إلى الكابيتول في واشنطن !

و لست هنا بصدد الدعوة لتخلي أي طرف عن مصالحه، و لكن للتنبيه من جديد أنه علينا الترفع عن نقاط الاختلاف و تجاوز مناطق الصراع و التركيز على عوامل الوحدة و أدوات القوة و السيطرة على المشهدين السياسي و الاقتصادي و العسكري، و هو ما اراه السلاح الوحيد القادر على التصدي للمؤامرة ضد الأمة العربية ليمكننا مواجهة الغرب بنفس السلاح الذي استخدمه ضدنا، و ما أفلحوا فيه و بشدة خلال العقود الثلاثة الماضية من خلال " الوحدة " و " التكامل" بينما انفرط في المقابل عقد وحدتنا و انتهكت حرمة أراضينا !

خلاصة القول يا سادة .. أننا الآن أمام خيارين لا ثالث لهما ..

إما أن يستغل قادتنا القدر المتاح من الاتفاق الآن، أو ليحصروا أهدافنا في مصالحنا الفردية لنمنح أعدائنا فرصة اصطيادنا كالشياه المنفردة ..