Saturday, October 15, 2016

مصر .. بين استقلال القرار و الاقتصاد المنهار !

إيهاب الشيمي

حين بدأت حرب التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ضد انقلاب الحوثيين و علي عبد الله صالح في اليمن انتشرت شائعات اشتراك مصر برياً فيها كالنار في الهشيم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، و على كراسي مقاهي المحروسة، بل و على مقاعد وسائل المواصلات.
 
 و بدأ الإخوان و من يمولهم و من يسير خلفهم لمصلحة يرجوها، و الليبراليين الذين يرون في النظام السعودي كل أركان الرجعية و انتهاك حقوق الإنسان، و اليساريين الذين لا هم لهم سوى المعارضة دون طرح الحلول، و القوميين الذين يرون في النظام السعودي خطراً داهماً على القومية و الهوية العربية، و مغيبي العقل من يرددون السخافات دون إدراك لحقائق الأمور، بدأ كل هؤلاء بالهجوم على القيادة السياسية في مصر، و كيف أنها ستدفع بفلذات أكبادنا إلى أتون الحرب البرية في اليمن مقابل الحصول على المليارات السعودية لتمويل اقتصادها المتداعي !

و لكن حين مرت الأسابيع تلو الأخرى دون أن يحدث ذلك و ظهر كذب ادعاءاتهم جميعاً، و أن دماء المصريين و أرواحهم لم تكن رخيصة لدى القيادة السياسية كما كانوا يروجون، بدأوا في الهجوم من زاوية أخرى تناقض تماماً موقفهم السابق !
 
فالقاهرة التي كانت تابعةً للسعودية و ستدفع بجنودها إلى مصارعهم في اليمن مقابل المال، تحولت فجأة " بقدرة قادر " لتصبح معارضةً للرياض، بمساندتها لبقاء الدولة السورية موحدة، و رفض دعم الفصائل المتشددة المسلحة التي تدعمها السعودية و الولايات المتحدة بحجة تصنيفها كمعارضة معتدلة، و أصبحت القاهرة كما يدعون خصماً للشعب السوري و ثورته !
 
و لم يخجل هؤلاء من ذلك التناقض في مواقفهم، و لم يعطوا تفسيراً لكيفية تحول ثوابتهم الليبرالية و القومية و اليسارية من معارضة النظام السعودي إلى مساندته فجأة لمجرد أن ذلك سيصب في مصلحة هجومهم على القيادة في مصر !

ثم أعاد كل هؤلاء الكرة، ليبدأوا هجوماً جديداً هذه المرة، و لكن من خلال إعادة الترويج للكذبة الأولى التي تروج لتبعية القاهرة و انصياعها لرغبات الرياض، بل و إهداء جزيرتي البحر الأحمر للعاهل السعودي مقابل المليارات و النفط السعودي الذي سيضخ الدماء في شرايين الاقتصاد المصري !

ثم ما لبث هؤلاء أن اتهموا القاهرة من جديد بالغباء السياسي و الدفع بالبلاد للانهيار بمعارضتها للنهج السعودي في معالجة الأزمة السورية، و كيف أنها بمساندتها للقرار الروسي بمجلس الأمن قد اضرت بمصالحنا مع الرياض، و هم من كانوا قد اتهموها سابقاً ببيع أرواح و دماء و أرض المصريين لصالحها !

و هكذا أصبحت مواقفنا من الرياض لدى هؤلاء سبباً للهجوم على القيادة السياسية في جميع الأحوال لخدمة أهداف من يريدون زعزعة الاستقرار و فقط في مصر دون رغبة حقيقية في النقد البناء أو النصح الرشيد ..
فحين تتوافق الآراء، فذلك تبعية و بحث رخيص عن المال و الدعم لا يليق بمصر ..
و حين تتباعد الرؤى و المصالح، فذلك إضرار بمصالح مصر الاقتصادية و الإقليمية و خيانة لحق الشعب السوري في الحرية !

و يبقى السؤال ..
 
لو أن الرجل القابض على مقاليد الأمور في القاهرة يبحث عن المال كما يدعي هؤلاء لدعم نظامه على حساب مصالح وطنه و شعبه، ألم يكن من الأسهل عليه أن يرسل سفناً محملة بالآلاف من الجنود إلى اليمن كما فعل مبارك أثناء حرب الخليج الأولى ليحصل على المليارات التي يحتاجها بشدة لسد العجز الهائل في موازنته ؟
 
لو أن الرجل كما يدعي هؤلاء يبحث عن المال، ألم يكن من الأسهل عليه دعم الموقف السعودي و الأمريكي في سوريا و لتذهب وحدة أراضيها إلى الجحيم و لتبقى شبه دولة يستبيح الجميع أراضيها لعقود طويلة قادمة كما هو الحال في العراق الآن ؟

لو أن الرجل يبحث عن المال، ألم يكن من الأسهل عليه التخلي عن البرلمان الذي انتخبه الشعب الليبي في طبرق ليؤيد حكومة السراج التي أتى بها الغرب ليحصل على كل ما يريد من النفط تحت حماية القوات البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي و حلف الأطلسي و ليذهب مستقبل مصر إلى الجحيم بعد أن يسيطر المتطرفون الإسلاميون على ليبيا بعد أن تم دمجهم في حكومة السراج ليعيدوا إنتاج المشهدين المصري و التونسي من جديد ؟

لو أن الرجل يبحث عن المال، أليس الأولى به أن يحوله لحساباته و حسابات معاونيه بدلاً من إنفاقه على مد و تطوير شبكات الطرق و إنشاء محطات الكهرباء و تطوير البنية التحتية و مكافحة فيروس سي و بناء الموانئ و شق الأنفاق تحت قناة السويس لتنمية سيناء، و أن ينأى بنفسه عن النقد و الهجوم و التساؤلات التي لا تتوقف حول جدوى هذه المشروعات بينما يمكنه أن يضخ كل ذلك لدعم السلع الأساسية و زيادة المرتبات ليستمتع بالاستماع إلى هتاف المواطنين بحياته كما كان يفعل سابقوه ؟
 
و السؤال الأهم .. لو أن الرجل يبحث عن المال كما تدعون، ألم يكن من الأسهل عليه أن يبتعد عن المغامرة بحياته و عن مواجهة الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي،  بأن يبقى وزيراً للدفاع في حكومة مرسي و يضمن تدفق الأموال لصالحه هو و المقربين منه مقابل ضمانه ولاء الجيش للمرشد و استيلاء داعش على سيناء ؟
 
نعم .. لا أنكر أن لدى الرجل تركة ضخمة من الفساد و المحسوبية و الخلل الشديد في منظومة العدالة الجتماعية، و أنه تأخر كثيراً في التعامل معها جميعاً مقابل التفكير في مشاريع ستؤتي ثمارها على المدى الطويل ..

و لا أنكر أني من أشد المنتقدين لخياراته بشأن من يتولون مهام الحكومة و من يعتمد عليهم من بقايا عهد مبارك ممن لن يقدموا الجديد لاجتياز التحديات الاقتصادية القائمة ..

و لا أنكر أنه لم ينجح حتى الآن في اختيار مقاربة إعلامية ناجحة لمخاطبة المشكلات القائمة بالفعل لدى رجل الشارع، و البعد عن النظرة الاستعلائية التقليدية للحكومة في مصر التي تحتفظ لنفسها بكل المعلومات و تبقي الجميع في الظلام بحجة الحفاظ على الأمن القومي، و هو ما أفقده الكثير مما كان يحظى به من ثقة و دعم ..

لكني مع ذلك، لا أشك مطلقاً في ولاء الرجل لمصر و رغبته في خلق مستقبل أفضل للجميع، و الاحتفاظ باستقلال القرار الوطني بعيداً عن أي حسابات إقليمية أو ارتباطات بجماعات ضغط داخلية، أو أي دعم مالي أو اقتصادي قد يظن البعض أنه يمكن من خلاله شراء مواقفنا !
 
أما أنتم .. يا من ترددون و فقط ما يروج له هؤلاء من شائعات دون أن تتوقفوا لحظة لفهم ما يدور في الكواليس، أو لرؤية التناقض في مواقفهم السياسية و الأيديولوجية ..
 

أتدرون ما مشكلتكم ؟

مشكلتكم .. أنكم لا تدركون أن علاقات الشراكة و الدعم بين الدول تحكمها مصالحها المشتركة و ثوابتها التاريخية التي لا تتضمن التبعية المطلقة أو العداء الأبدي !
 

مشكلتكم .. أنكم لا تدركون قيمة هذا الوطن العظيم ..

أو دعوني أكون أكثر صراحة، أو وقاحةً إذا رأيتموها كذلك، لأقول لكم :
مشكلتكم الكبرى أنكم و ببساطة .. مجرد حفنة من الأغبياء !

Wednesday, October 5, 2016

أكتوبر .. النصر الذي يكرهونه !


إيهاب الشيمي

رابط المقال على روزاليوسف المصرية

"نصر أكتوبر !!!
إنت بتصدق الحاجات دي برضه ؟ 
دي حاجات السادات ضحك عليكم بيها و خان سوريا عشان يعرف يبيع البلد للأمريكان يا ابني"
ربما يتملكك الآن غضب شديد من قراءة هذه العبارة و حينها أستطيع أن أتخيل أنك لم تسمع هذه الكلمات من قبل ، و قد تكون أسوا حالاً كمن أتعسهم الحظ مثلي، منذ سنوات مضت و حتى الآن، بلقاء الكثيرين ممن يروجون لهذه الادعاءات و الافتراءات التي تشوه نصر الشعب المصري العظيم في أكتوبر، بل و تنفيه تماماً في بعض الأحيان.

و لن أجهد عقلك في تخيل هيئة من سمعتهم يرددون هذه العبارة، أو التكهن بجنسياتهم، أو استنتاج انتماءاتهم السياسية، و الدينية, و الطائفية، فالقائمة تطول و الأساليب  متعددة، و لكنك ستجد الأمر أكثر سهولة حين تتبين الهدف الذي يوحدهم جميعاً، و هو دائماً قتل كل ما يمكن أن يشعر معه أبناء هذا الوطن بعزتهم و كرامتهم و قدرتهم على تحقيق المستحيل رغم كل المصاعب و المعوقات و التحديات، و قتل الإيمان بقيم الانتماء و البذل و العطاء من أجل مصر و شعبها العظيم.

و لن يمكنك بالتأكيد مواجهة أية صعوبة في معرفة من يحتل رأس القائمة، و هو العدو الأول "إسرائيل" و من خلفها "الولايات المتحدة الأمريكية"، و اللتان روجتا منذ نهاية الحرب و حتى الآن لأكذوبة أن عملية "يوم كيبور"،كما يسمونها، انتهت بلا منتصر أو خاسر، بدليل وجود القوات الإسرائيلية غرب القناة في الدفرسوار مقابل وجود القوات المصرية شرقها، و أن قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار هو ما حسم الأمور و جنب المصريين ويلات الرد الإسرائيلي. و هنا عزيز القارئ يمكنك بسهولة اسناد مهمة الرد على تلك الأكاذيب إلى لجنة "أجرانات" التي شكلها الكنيست لتقصي الحقائق عن الحرب، و التي اعترفت بالخسائر الفادحة على المستويين السياسي و العسكري، و حملت رئيسة الوزراء "جولدا مائير"، و وزير الدفاع "موشي ديان"، و رئيس الأركان "ديفيد إليعازر" كامل المسئولية عما أسموه في التقرير "الزلزال" الذي هز إسرائيل اعتماداً على شهادات كبار الضباط و القادة العسكريين و أجهزة المخابرات الإسرائيلية، و أعضاء لجان الدفاع و الأمن بالكنيست. و هو ما يمكن تاكيده بتصريحات كيسينجر نفسه من أن الولايات المتحدة هي من عمدت إلى إصدار قرار وقف إطلاق النار لتجنب فضيحة كبرى تدمر سمعة صناعة السلاح الأمريكية إذا قامت مصر بالقضاء على الدبابات الأمريكية التي نجح "شارون" بالعبور بها إلى الغرب في الدفرسوار.

و دعني اقترح عليك بعضاً من الأسماء الأخرى الموجودة بالقائمة، و ليكن أولها "الاتحاد السوفييتي" !! ... نعم "الاتحاد السوفييتي" و أعلم انك قد تجد بعض الصعوبة في تفهم ما دفعني للزج بإسمه بينما من المفترض أن يكون من المروجين للنصر المصري و حقيقة انتصار السلاح الروسي على نظيره الأمريكي، و لكن الحقيقة أن أجهزة المخابرات الروسية، و سفيرهم في القاهرة في الفترة من 1970 و حتى 1974، قد رفعوا عدة تقارير تهدف للتغطية على فشلهم في توقع تحركات الرئيس "السادات"، الذي أقصى رجالهم المقربين في مراكز القوى، ثم طرد المستشارين العسكريين قبل الحرب مباشرة، رداً على تجاهل السوفييت لمطاب المصريين بالمزيد من السلاح و قطع الغيار، و تعامل موسكو مع مصر كمجرد ورقة تتلاعب بها في حربها الباردة مع الولايات المتحدة.

و لتجنب غضب القيادة في موسكو قام السفير و أجهزة المخابرات الروسية في القاهرة بطرح نظرية أن "السادات" قد اتفق سراً مع الولايات المتحدة الأمريكية و إسرائيل لرسم خطة هذه الحرب "المزيفة" لكي يمكن للسادات الحصول على الدعم و التمويل الأمريكي اللازم لإعادة بناء الاقتصاد المصري من خلال ما سيتلو هذه الحرب من عملية طويلة للسلام، و في المقابل يمكن لأمريكا قلب موازين القوى في المنطقة بتحويل مصر، و هي الحليف التاريخي للسوفييت، إلى حليف لها و البدء في ترسيخ دعائم وجود الكيان الصهيوني في المنطقة. و استغل السفير و أجهزة الاستخبارات الروسية في إقناع الجميع بنظريتهم المزعومة غضب القيادة في موسكو من طرد "السادات" للمستشارين السوفييت، و رغبة "الكرملين" الدفينة أن تخسر مصر الحرب، أو لا تحقق أهدافها منها على الأقل، لكي تكون عبرة لغيرها من الدول التي تتحدى الإرادة الروسية و تخرج عن سياق لعبة الحرب الباردة.

و يفترض بك عزيزي القارئ لكي تصدق هذه "الخزعبلات" أن توافق على فكرة أن إسرائيل اشتركت مع "السادات" في هذه الحرب "المزيفة" كما يدعي السوفييت، و وافقت على التخلي بكل بساطة عن سيناء و ثرواتها و عن خليج العقبة و خليج السويس بكل ما يمثلانه من أمن قومي و ثروة نفطية،!! كما أنها ضحت و بصدر رحب بمليارات الدولارات التي أنفقتها لتحظى بأقوى خطوط التحصينات الدفاعية في التاريخ و التي أقامتها على خط بارليف بطول القناة، و أنها وافقت على تدمير أكثر من 300 طائرة تحمل خيرة طياريها الذين طالما تباهت بأنهم ذراعها الطولى، و أن تتقبل فكرة أن جولدا مائير زجت بأكثر من عشرة آلاف من خيرة جنودها إلى الهلاك ممن انتهى بهم الأمر بين قتيل و جريح، فضلاً عن تدمير أكثر من 1000 دبابة إسرائيلية، و تدمير الفكرة الأسطورية التي زرعها الصهاينة في نفوس و عقول اليهود و العرب و الغرب لعقود طويلة من أن الجيش الإسرائيلي جيش لا يقهر.

و دعنا ننتقل إلى اقتراحي التالي في القائمة، و هو للأسف الكثير من العرب الذين رفضوا حقيقة أن الهدف من حرب أكتوبر لم يكن ان تقوم مصر نيابة عنهم بتحقيق اسطورة "إلقاء إسرائيل في البحر" كما ظل قادتهم يروجون لهم لعقود، و رفض هؤلاء القادة لاستراتيجية "السادات" التي قامت على استغلال الحرب كبداية  لتحريك المياه الر اكدة في العملية السياسية في الشرق الأوسط، و فرض أمر واقع على الأرض يمنح العرب مركز القوة الذي ينشدونه اثناء محادثات السلام لاسترداد أراضيهم و عودة إسرائيل لخطوط ما قبل يونيو 1967 و تنفيذ قرارات مجلس الأمن بهذا الشأن.

و لم يستطع هؤلاء تجاوز صدمة حديث "السادات" عن عملية السلام بعد عشرة أيام فقط من الحرب في خطاب النصر الذي ألقاه في مجل الشعب المصري يوم السادس عشر من أكتوبر 1973، و الذي انقسم بين شرحه لتحديات قرار الحرب و تفاصيل النصر، و بين رؤيته لعملية السلام التي فتح هذا النصر الباب لها على مصراعيه.
و في هذا الإطار بدأ هؤلاء في الترويج لفكرة "خيانة السادات" لحليفه "حافظ الأسد" و تخليه عن دعمه و الاكتفاء بما حققه على الجبهة المصرية، و هو ما أدى في النهاية برأيهم لفشل الهجوم السوري في الجولان و استعادة اسرائيل لمواقعها هناك.

و للرد على هؤلاء عزيزي القارئ، فيجب ان تعرف أن هضبة الجولان هي مكان مرتفع يمكن لمن يسيطر عليه أن يكشف بالكامل الجانب الغربي المتمثل في وادي نهر الأردن الذي يمر من خلاله نهر الأردن الفاصل بين العمق الإسرائيلي و سوريا، بل و رؤية العمق الإسرائيلي بالكامل، بينما يمكنك في الجهة الشرقية منها كشف العمق السوري وصولاً إلى دمشق على بعد ما يقرب من 40 كيلومتراً فقط.

و في يومي السادس و السابع من أكتوبر تمكنت القوات السورية و بنجاح من اجتياح الخطوط الدفاعية الإسرائيلية و النقاط الحصينة و السيطرة على الهضبة بالكامل، و تمكنت من كشف الوادي بالكامل تحتها، و كشف الكباري التي تنتشر فوق نهر الأردن ، و التي تمر مباشرة إلى داخل العمق الإسرائيلي، و هو ما اعتبره "ديفيد اليعازر" و "جولدا مائير" الخطر الأكبر ليس على فرصهم في كسب الحرب و حسب، و لكن في خسارة وجود دولة "إسرائيل" بالكامل.

و لم يكن على السوريين،بعد أن صاروا في مركز القوة، سوى التحرك نحو كباري نهر الأردن و السيطرة عليها و تهديد العمق الإسرائيلي، أو تدميرها على أقل تقدير لمنع الاحتياطيات الاسرائيلية من عبور الكباري مرة اخرى إلى الجولان، و لكن المفاجأة الكبرى أن السوريين فضلوا البقاء في مواقعهم فوق الهضبة و عدم الاشتباك أسفل الوادي.

و هنا استغل "اليعازر" الفرصة و دفع بكل ثقله نحو الجبهة السورية للحفاظ على كيان "إسرائيل" و كثف من غارات سلاح الجو على المواقع السورية، و استطاع دفع احتياطياته عبر كباري نهر الأردن، التي لم يدمرها السوريون، لتحتل الجولان مرة اخرى و تكبد السوريين خسائر فادحة، و هو ما دعا الرئيس "السادات" لمخالفة نصائح قادته و الأمر بالاستجابة لطلب "حافظ الأسد" بتخفيف الضغط على السوريين من خلال تقدم الدبابات المصرية إلى عمق سيناء في اتجاه الاحتياطيات المدرعة الاسرائيلية، و هو ما جعل القوات المصرية تبتعد عن مجال حماية صواريخ الدفاع الجوي المصرية لها و سمح للطائرات الاسرائيلية بتدمير ما يزيد على الف دبابة مصرية أثناء سعي المصريين لتخفيف الضغط عن الجبهة السورية، و هو ما سمح أيضاً بالتالي للدبابات الاسرائيلية باستغلال الارتباك الحادث للقيام بعملية عبور خاطفة إلى غرب القناة في الدفرسوار، تكمنوا خلالها من تدمير بطاريات الصواريخ المصرية التي تحمي قواتنا في الشرق، ليبدأ بعدها حصار قوات الجيش الثالث في السويس.

و هكذا أصبحت التضحية بثلث المدرعات المصرية دون غطاء جوي في سيناء و تبدل مراكز القوى على الجبهة المصرية من أجل تخفيف الضغط على السوريين، ثم القبول بوقف إطلاق النار لإجبار إسرائيل على الجلوس إلى مائدة المفاوضات و الانسحاب الكامل خيانة للسوريين و لقضية الصراع العربي الإسرائيلي في نظر هؤلاء.

و يمكنك عزيزي القارئ إضافة اسماء اخرى للقائمة من أدعياء "الشرعية المزعومة"، و من يوالونهم من المرتزقة و المأجورين من أصحاب المصالح و منفذي خطط استعادة الخلافة، الذين أنكروا من قبل على المصريين حقهم في الفرح بنصرهم في أكتوبر ليقوموا بعده بشهور قليلة بعملية دنيئة في أبريل 1974 قتلوا خلالها العشرات في الكلية الفنية العسكرية اثناء محاولتهم الاستيلاء على أسلحة تمكنهم من تنفيذ عملية اغتيال "السادات" و الاستيلاء على الحكم، كرد لجميله بإطلاق سراحهم من السجون ليواجهوا المد اليساري.

كما يمكنك، و للأسف الشديد، هذه الأيام، و عبر متابعتك لشبكات التواصل الاجتماعي، إضافة السذج و فاقدي البصيرة، ممن لم يستطيعوا التفرقة بين كراهيتهم لأشخاص ينتمون للمؤسسة العسكرية، و بين حقيقة أن أكتوبر هو نصر المصريين جميعاً و ليس الجيش فقط.

ما أود أن أقوله لكل من تحتويه هذه القائمة المقيتة، هو أن نصر أكتوبر الذي تكرهونه كان انتصاراً معنوياً و سياسياً و عسكرياً و استراتيجياً بكل ما تعنيه هذه المصطلحات من معاني..

لقد انتصرنا في أول حرب، بالمعنى الحقيقي للكلمة، يخوضها العرب ضد إسرائيل في القرن العشرين و قضينا على أسطورة الجيش الذي لا يقهر التي طالما روج لها العدو ..

لقد انتصرنا على أصعب مانع مائي في العالم، و على أعلى سد ترابي في تاريخ الحروب الحديثة، و على أقوى خط دفاعي يحتاج بشهادة الخبراء العسكريين لقنابل نووية لتدميره ..

لقد انتصرنا على الولايات المتحدة بما تمثله من قوة عظمى متقدمة علينا في الكم و الكيف و التكنولوجيا و الإمكانيات ..

لقد انتصرنا على الاتحاد السوفييتي الذي حرمنا السلاح و انفرد بأسراره لمستشاريه، و بث اليأس في نفوسنا من إمكانية تحقيق أي انتصار، و جعلنا مجرد ورقة في لعبة الحرب الباردة ..

و الأهم من ذلك كله أننا انتصرنا على مخاوفنا من الفشل، و تغلبنا على افتقادنا للثقة بأنفسنا، و استعدنا من جديد الإيمان بوطننا و أمتنا و شعبنا و قيادتنا.

و هكذا عزيز القارئ .. أيها المصري الفخور بعروبته، لا أريد منك في النهاية إلا أن تكف عن الالتفات لدعاوى الحاقدين، و أن تزداد فخاراً و عزة بانتمائك لهذا الوطن، و أن ترفع في يوم انتصارك رأسك عالياً أمام الجميع لأنك ببساطة .. مصري.