Tuesday, January 31, 2017

الاتفاق النووي .. بين الطموحات الإيرانية و الخطط الأمريكية

إيهاب الشيمي

الخميس السادس من نوفمبر 2014 ..
قاعة الإيجاز الصحفي بالبيت الأبيض
جوش إرنست المتحدث باسم البيت الأبيض و أحد أعضاء الحلقة الصغرى المؤتمنين على الأسرار الكبرى للرئيس الأمريكي، يقف كعادته في القاعة ليجيب كالعادة على أسئلة الصحفيين ليؤكد أمراً في إجابة، و ينفي آخر في إجابة أخرى .. فجأة تعلو الدهشة وجه الرجل و يصيبه الارتباك، و لا يستطيع الإجابة على أحد الأسئلة التي لم يكن يتوقعها على الإطلاق ..
لم يكن السؤال سوى: " ما هو محتوى الرسالة التي أرسلها الرئيس أوباما إلى مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية السيد خامنئي الشهر الماضي ؟" !! .. بعد لحظات من الصمت يتمالك الرجل زمام نفسه ليرد قائلاً : " موقعي لا يخولني أن أطلع على محتوى الرسائل التي يتبادلها الرئيس بصورة خاصة مع زعماء العالم" !
التاسعة مساء الثلاثاء العشرين من يناير 2015 ..
خطاب " حالة الاتحاد " بالكونجرس الأمريكي
باراك أوباما يدخل القاعة الكبرى وسط تصفيق حاد من أعضاء مجلسي الشيوخ و النواب الجمهوريين و الديمقراطيين على حد سواء ليتخذ مكانه على المنصة قائلاً:
"سأستخدم  صلاحياتي الدستورية و حق النقض  ضد اي عقوبات جديدة يفرضها الكونجرس على إيران اثناء عقد المفاوضات المتعلقة بملفها النووي .. نعم سأستخدم حق النقض لمنع العقوبات في حال فرضها لأنها تهدد مسار التقدم الذي تحققه المفاوضات". !
الإثنين الثاني من مارس 2015 ..
بضعة كيلومترات شمال بغداد
ميليشيات الحشد الشعبي الشيعي تتقدم صوب محافظة صلاح الدين للهجوم على تكريت المعقل الحصين للغالبية السنية في العراق بدعوى تحريرها من تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، بينما تعلن وكالة "فارس" الإيرانية الرسمية للأنباء في نفس الوقت عن وجود "قاسم سليماني" قائد فيلق القدس على رأس قوات خاصة من الحرس الثوري لتقديم الدعم و المشورة للهجوم، في الوقت الذي غاب فيه خالد العبيدي وزير الدفاع العراقي تماماً عن المشهد، و لم تصدر بغداد أية بيانات تعليقاً على وجود قوات إيرانية على أراضيها !
مشاركة الجيش العراقي المزعومة تقتصر على عناصر من الفرقة الخامسة مشاة ميكانيكي المفترض أن تتواجد في محافظة ديالى و ليس صلاح الدين و التي ترفع آلياتها رايات الحسين و آل البيت و ليس رايات الجيش العراقي، بينما أعلن التحالف الدولي ضد داعش أنه ليس طرفاً في الصراع على تكريت، و أبدى قلقه من احتمال حدوث جرائم حرب ضد السكان السنة من قبل الميليشيات الشيعية في حال نجاحهم في دخول المدينة.
الأحد الثاني و العشرين من مارس 2015 ..
عشرات الآلاف يحتشدون في مؤتمر حاشد بمدينة مشهد الإيرانية بمناسبة العام الفارسي الجديد ..
فجأة يسود الصمت المكان حتى تكاد تسمع صوت أنفاسك بينما يصعد المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي درجات المنبر ليعلن في لهجة تهديدية غاضبة و بصرامة شديدة أن بلاده لن تقبل أي اتفاق مع الدول الكبرى ما لم يتضمن إنهاءاً فوريا للعقوبات المفروضة على إيران دون الانتظار لتوقيع الاتفاق النهائي، و أن كرامة إيران تأبى فرض أية شروط تمنع استمرار برنامجها النووي، لتهتز فجأة أركان المدينة بهتاف الجميع: "الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر"
الأربعاء الخامس و العشرين من مارس 2015 ..
حكومة بغداد التي تجاهلت هجوم تكريت إعلامياً تماما في البداية بحجة انشغالها في التنسيق لهجوم أكبر على الموصل، تبدي اهتماماً مفاجئاً بتطورات الأحداث على الأرض هناك بعد أن فشل الهجوم في اختراق دفاعات المدينة، و تطلب مساعدة واشنطن لدعم الهجوم المشترك للقوات الإيرانية و العراقية و الميليشيات الشيعية ضد تكريت، و تعلن أن طهران شريك أساسي في الحرب على الإرهاب و استعادة العراق لوحدته و سلامة أراضيه !
خلال ساعات وجيزة يحدث في واشنطن ما قد يأخذ شهوراً في مسائل مشابهة ..  واشنطن تتلقى رسالة بغداد، و تدرس الطلب، و تقرر فوراً بدء ضربات جوية و عمليات دعم لوجيستي و استخباراتي لمساعدة المهاجمين، و تدمر أهدافاً لداعش بنسبة نجاح تفوق عشرات المرات ما فعلته خلال العشرة شهور الماضية مجتمعة في سوريا و العراق معاً لتفتح الطريق أمام من يزعمون أنها القوات العراقية لتدخل المدينة بصحبة الإيرانين و الميليشيات الشيعية و هم يهتفون: " لبيك يا حسين .. لبيك يا فاطمة " !
الخميس الثاني من أبريل 2015 ..
مئات الصحفيين يملأون أرجاء القاعة الرئيسية لمعهد "بوليتكنيك" بمدينة لوزان السويسرية بعد أن انتهت المهلة المحددة لطهران منذ يومين للتوصل لاتفاق إطار حول البرنامج النووي الإيراني .. و لكن بدلاً من أن ينخرط هؤلاء الصحفيين في البدء في تسجيل قائمة العقوبات، صدمت فيديريكا موغيريني الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي الجميع بإعلانها التوصل خلال 48 ساعة فقط ما فشلت فيه المحادثات المكوكية التي دامت ثمانية عشر شهراً، و ما قبلها من مفاوضات دامت أكثر من عشرة أعوام كاملة !!
.. فجأة و بعد أن اجتمع جون كيري وزير الخارجية الأمريكي مع محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني لمدة تسع ساعات قبل ذلك الإعلان، تحولت إيران من أحد أضلاع مثلث الشر في العالم إلى" دولة نووية سلمية " ، و أصبح على الجميع أن يصدقوا أن وزير خارجيتها و رئيسها و مرشدهم الأعلى ابتلعوا کل تصريحاتهم و مواقفهم المملوءة غطرسة و تحدياً و وقعوا على اتفاق يحرمهم من الاستمرار في برنامجهم النووي ..
.. فجأة تحولت المنشآت النووية التي طالما شكلت تهديداً للسلام العالمي إلى مجرد منشآت للأبحاث ..
.. فجأة تحولت الدول الكبرى من عدو لطهران إلى حليف سيمدها بالتكنولوجيا اللازمة لتشغيل المفاعلات و أجهزة الطرد المركزي التي تم الاتفاق على الإبقاء عليها بأعداد مخفضة لمدة عشر سنوات ..
.. فجأة وافقت إيران على السماح بتفتيش منشآتها في أي وقت و أي مكان و دون إشعار مسبق ..
.. فجأة قررت الدول الكبرى عدم ضم برنامج الصواريخ الإيرانية الباليستية العابرة للقارات و القادرة على حمل رؤوس نووية إلى مسودة الاتفاق النهائي ..
.. و لكن يبقى المشهد الأكثر مفاجأة .. رئيس الولايات المتحدة الأمريكية يظهر على الهواء مباشرة على شاشات التليفزيون الرسمي الجمهورية الإسلامية الإيرانية للمرة الأولى في التاريخ في بث مباشر من البيت الأبيض ليعلن سعادته بالاتفاق مع طهران و كونها شريك أساسي في استعادة الاستقرار بمطقة الشرق الأوسط، خاصة في اليمن و سوريا و العراق لتسمح السلطات بعدها في طهران لعشرات الآلاف بالخروج للاحتفال بتوقيع الاتفاق مع الولايات المتحدة التي لم تكن في نظرهم منذ أيام سوى " الشيطان الأعظم " !!
و هكذا عزيزي القارئ .. و من خلال ما سردته عليك من المشاهد السابقة، يمكنك التوصل لما أصر أنا على وجوده منذ فترة ليست بالوجيزة، و هو اتفاق أمريكي إيراني خفي على حساب العرب يمنح إدارة أوباما الفرصة لتحقيق انجازاً تستطيع به تجميل صورتها بعد أن ميزت الاخفاقات المتتالية فترة ولايتها في الداخل و الخارج، كما أنه يمنح الولايات المتحدة الفرصة الذهبية لاستكمال خطة تقسيم المنطقة و لكن باستخدام الأطماع الصفوية هذه المرة بعد أن فشلت خطة استخدام الجماعات الأصولية السنية حتى الآن.
ما لا يمكن إغفاله أيضاً هو الفائدة التي ستعود على طهران، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتحول نظام قمعي إستبدادي ذو توجهات توسعية في كل دول المنطقة إلى نظام يمکن الوثوق به و الاطمئنان إليه للالتزام ببنود هذا الاتفاق و التخلي عن أحلامه العدوانية التوسعية، و حلم الحصول على القنبلة النووية، بل ما أراه أن كل ذلك ما هو إلا استغلال حكام طهران لحاجة الولايات المتحدة لهم لتنفيذ أجندتها في المنطقة، مما سيمكنهم من المناورة و المراوغة في تنفيذ الاتفاقية النووية و استكمال البرنامج النووي العسكري سراً، بينما يستمتعون برفاهية رفع العقوبات و نمو الاقتصاد المنهار، و تخفيف النقمة الشعبية الداخلية، بل و نشر أذرعهم في مناطق جديدة.
يبقى لي في النهاية أن أعرض عليك المشهد الأكثر أهمية و الذي ستستطيع بكل سهول تفهم أسبابه و ردود أفعال الشخصيات الرئيسية فيه فيه بعد كل ما قرأت ..
فجر الخميس السادس و العشرين من مارس 2015 ..
المقاتلات السعودية تنطلق من قاعدة الملك خالد لتقصف معاقل الحوثيين المنقلبين على سلطة الرئيس الشرعي هادي منصور في اليمن بعد أن أداروا ظهورهم لكل الاتفاقيات التي وقعوها مع أطراف الصراع، و ضربوا بتهديدات الأمم المتحدة عرض الحائط و قرروا الهجوم على عدن و إعادة احتجاز أو قتل الرئيس منصور في ظل دعم عسكري و لوجيستي و سياسي من طهران.
الإمارات و قطر و البحرين و الكويت و مصر و المغرب و الأردن و السودان و باكستان يعلنون اشتراكهم في العملية تحت القيادة السعودية ضد حلفاء طهران، بينما الصدمة تسود أروقة صنع القرار الأمريكي بعد أن تحركت السعودية و حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط عسكرياً للمرة الأولى دون إعلامها بذلك، و يستشيط ملالي طهران غضباً فيطلقون اللعنات على الرياض و حلفائها، و يخرج عملائهم في العراق و لبنان و اليمن لاستنكار عملية "عاصفة الحزم "، بينما يعترض الرئيس العراقي على العملية و تتحفظ بغداد على البيان الختامي للقمة العربية.
فصول المسرحية ما زالت قيد الكتابة .. علينا فقط أن نقرر الاشتراك في كتابتها، أو الاكتفاء بمشاهدتها و البكاء لحظة إسدال الستار.